خالد العزي

الحرب الأوكرانيّة تُعمّق الهوّة بين روسيا وكازاخستان

19 تموز 2022

02 : 01

الرئيسان الروسي والكازاخي (أرشيف)

في ظلّ طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإمبراطورية للسيطرة على الدول الآسيوية والسلافية، كون مصالحه فوق كلّ اعتبار بينما المصالح الوطنية للدول الصغيرة التي لا يُقام لها اعتبارات ولا يؤخذ بمصالحها تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من مشاريعه وحروبه الاقتصادية والقومية. لذا تُحاول كازاخستان الفرار المبكر من السفينة. ويبدو أن العلاقات الروسية - الكازاخستانية تتجه نحو الخلاف البطيء نتيجة غزو روسيا لأوكرانيا.

على الرغم من أن روسيا لا تزال تأمل بجرّ كازاخستان إلى مستنقع الحرب عسكريّاً والإلتفاف على العقوبات الغربية، بحيث بات على نور سلطان دفع ثمن الفاتورة لبوتين بعد إنهاء تمرّد الشتاء الكازاخي المصطنع لوضع يده على الدولة. فهل سيكون وضع الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف حاليّاً شبيهاً بما حدث في أوكرانيا العام 2013 لجهة الوقوف في الوسط بين روسيا وأوروبا؟

إن النخب الكازاخية لن تنسى المواقف الروسية المتطرّفة ضدّ دولتهم في بداية أزمة كانون الثاني 2022، حيث ارتفعت الأصوات بضرورة التحرّك للسيطرة على مناطق الشمال ذات التواجد الروسي، ومحطة «بايكونور» الفضائية، وقطاع الطاقة، وحماية الحدود الطويلة مع روسيا، إضافةً إلى القرار الموجع الذي فرضته موسكو أثناء الحرب على أوكرانيا، بعدم تصدير المواد الإستراتيجية إلى الخارج، بمَن فيهم كازاخستان.

لقد فهمت كازاخستان والدول الأخرى بأن تدخل روسيا العسكري كان رسالة واضحة لكازاخستان والدول الآسيوية بأن الخروج عن طاعة موسكو سيكون ردّه بالإحتلال، على الرغم من تغليفه بغطاء «منظمة معاهدة الأمن الجماعي»، تحاشياً للصراعات القومية والإثنية والمذهبية في الدولة. هذا الفعل يُذكّرنا بخطّة الاتحاد السوفياتي عند احتلال تشيكوسلوفاكيا بدعم حلف وارسو. لذلك لا يُمكن اعتبار وجود قوات «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» الضامنة للحكم الحالي بمثابة بادرة حسن نية من قبل روسيا، أو لمنع الوضع من الإنفلاش في نور سلطان أو أية عاصمة أخرى، خصوصاً بعد الذي حصل في أوكرنيا، بل هي قوة عسكرية لتثبيت مصالح روسيا ولدعم النظام وحماية الإستقرار في آسيا الوسطى بما تتطلّبه مصالح روسيا القومية.

ومن هنا أتت تصريحات توكاييف في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي في 17 أيار الماضي، والتي تُشير إلى أن كازاخستان لن تعترف أبداً بأشباه دول كجمهوريّتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيّتين. فالإنطباعات الجيوسياسية تجاه الغرب شيء، وعدم التأثر بتوجهات روسيا شيء آخر.

بالتوازي، قدّمت وزارة المال الكازاخستانية مشروعاً يُنظم توريد السلع الخاضعة للعقوبات إلى روسيا وبيلاروسيا. والدوائر الحكومية الكازاخية لن تُنظم فواتير البضائع المحظورة من قبل الدول الغربية للتصدير إلى روسيا. ومن دون فواتير مصدّق عليها، لن تعبر البضائع الحدود الكازاخية...

تتطلّع كازاخستان بالفعل إلى الشركات الأجنبية التي غادرت روسيا بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية التي فرضت على موسكو، بحيث أعلن الرئيس الكازاخي أننا «نشهد صراعاً عالميّاً على رأس المال الاستثماري». وشدّد على أن يجب على الحكومة أن تُهيّئ الظروف المواتية لما يقرب من 1400 شركة أجنبية كبيرة التي علّقت أنشطتها وغادرت السوق الروسية بالكامل لنقلها إلى كازاخستان.

تكمن استراتيجية كازاخستان في الاستفادة من هذا الحصار على روسيا لنقل الشركات الأجنبية إلى أراضيها، ما يعني أنها تُهيّئ مناخاً خاصاً للدول غير الصديقة لموسكو، الأمر الذي سوف يزعج روسيا واقتصادها. بالإضافة إلى ظهور مشكلة جديدة بين الطرفين مرتبطة بوقف إمدادات النفط الكازاخستاني عبر ميناء نوفوروسيسك، وهو طريق التصدير الرئيسي إلى الغرب عبر شبكة خطوط أنابيب بحر قزوين، خط غاز نابوكو، وهو عبارة عن مساهمة مشتركة بين دولتَيْ روسيا وكازاخستان وشركات خاصة، منها «شيفرون» و»شل» و»روسنفت» و»لوك أويل». لكن بما أن الأنبوب ينتهي في ميناء نوفوروسيسك، فإن روسيا هي التي تتحكّم فعليّاً بتصدير النفط الذي تنتجه الشركات الغربية في كازاخستان. وفي 11 تموز، أصدرت محكمة روسية قرارها بتعليق العمل بخطوط أنابيب بحر قزوين لمدّة 30 يوماً بسبب «الإنتهاكات البيئية». إذاً نحن أمام حرب اقتصادية بين موسكو ونور سلطان لم يُعلن عنها رسميّاً، بحيث أوضحت كازاخستان أنها تعتزم تطبيق عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى، على الرغم من حقيقة أن القانون الدولي لا يلزمها بالقيام بذلك، ولم تتمّ الموافقة على العقوبات على مستوى الأمم المتحدة.

وتصرّح كازاخستان بأنها لا تُريد أن تكون أداة لتجاوز القيود المفروضة، وتخشى فرض عقوبات ضدّها، لذلك اضطرّت إلى اتخاذ مثل هذه المواقف، بحيث تمّ التعبير عنها بواسطة المكالمة الهاتفية بين الرئيس الكازاخي ومنسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إذ اتفقا على استمرار تدفّق الغاز الكازاخي إلى أوروبا.


MISS 3