خالد العزي

ترتيب العلاقات الروسيّة - الإيرانيّة في ظلّ الحرب الأوكرانيّة

26 تموز 2022

02 : 01

خامنئي خلال استقباله بوتين بحضور رئيسي في طهران في 19 الحالي (أ ف ب)

لقد أنهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القمة الثلاثية التي عقدت في طهران في 19 من الحالي، بحضور نظيريه الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب أردوغان، بعدما كان يعوّل كثيراً عليها، إذ تعتبر الجولة الثانية للرئيس الروسي خارج بلاده منذ غزو أوكرانيا. لكنّ الأحلام اصطدمت بالواقع، إذ لكلّ واحد منهم حلمه وطموحه. والجميع يُحاول ترتيب أوراقه في مواجهة جولة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة.

لا شكّ بأنّ الإعلام الروسي حاول إظهار الزيارة على أنها تأتي في إطار عقد اجتماع للرؤساء الثلاثة ضمن إحياء ما يُعرف بلقاءات أستانا. وهي بالشكل تهدف إلى ترتيب العلاقات بين الأطراف الثلاثة، خصوصاً بالنسبة إلى الملف السوري، في ظلّ التباينات في ما بينهم، ما جعل إيران وروسيا في الموقف ذاته للضغط على تركيا وإجبارها بعدم تنفيذ العملية العسكرية ضدّ الأكراد ومنع الإنتشار العسكري والأمني في المنطقة الآمنة، لا سيّما بعد ترتيب أردوغان علاقاته الجديدة مع أميركا والعرب.

لكن ما تحمله الزيارة بالشكل تختلف كلّياً عن المضمون، بحيث حملت في طياتها العديد من الرسائل التي حاولت روسيا اشهارها بعد جولة بايدن في الشرق الأوسط وحضوره اجتماع دول مجلس التعاون الخليج العربي مع دول الاعتدال العربي. أراد بوتين أن تحمل زيارته السريعة بمضمونها رسائل داخلية وخارجية من خلالها يستطيع الحركة مع هامش من المناورة خارج حدوده، بعدما باتت الحركة الروسية مقيّدة ومعزولة، وأصبحت محصورة بين روسيا وإيران عبر بحر قزوين.

والجانب الأخطر في المحادثات هو الكلام الذي نقلته وسائل الإعلام الدولية عن تزويد إيران لروسيا بالسلاح والتوقيع على صفقة شراء طائرات الدرون الإيرانية، لمساعدة روسيا في عملياتها العسكرية في أوكرانيا، والتي تُشير إلى عجزها عن التقدّم في منطقة دونباس بعد خسارة الكثير من المعدّات العسكرية، وتفوّق الدرون التركية «بيرقدار» في الحرب.

أمّا المسألة المهمّة التي أراد بوتين مناقشتها وبحثها مع الجانب الإيراني والتي أبداها في زيارته الأولى في قمة بحر قزوين حول مستقبل العلاقات مع منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى، هي التخوّف الفعلي من تهديد انتشار الحركات الإرهابية التي تنبعث رائحتها من المنطقة من تحت الرماد الأفغاني، حيث باتت أفغانستان القنبلة الموقوتة لتهديد الصين وروسيا وإيران بإشعال التطرّف. وبإمكان هاتين النقطتين أن تعطيانا صورة عن المشهد العام وطبيعة العلاقات وبعض خلفيات هذا اللقاء.

يُريد بوتين تثبيت خط التجارة الروسية من أستراخان الروسية إلى مازندران الإيرانية عبر بحر قزوين للخروج إلى الخطوط الآسيوية (الشرق الأوسط والهند وباكستان). كما ضمان التوافق الإيراني - التركي على جر أنبوب للغاز من بحر قزوين فإيران إلى الشرق الأوسط وتركيا، لإخراج الغاز الروسي في ظلّ الحصار المفروض عالميّاً على موسكو.

من هنا يبرز ترتيب العلاقات الإيرانية - الروسية مع تركيا، والتي سادتها أنواع من الخلافات حول مفهوم الإستقرار السوري، ومحاولة ثني تركيا عن تنفيذ أي عملية عسكرية في سوريا تضعف نظام الأسد، خصوصاً بعد ترتيب علاقة تركيا بالدول العربية، وزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أنقرة والإنفتاح التركي أخيراً على إسرائيل، بحيث باتت روسيا تنظر إلى تركيا بعين الحذر.

أدركت روسيا بأن إحياء الإتفاق النووي الإيراني قد أصبح في مهبّ الريح، خصوصاً بعد أن كانت موسكو تُعارض أي إتفاق جديد مع إيران لا يضمن لها حماية مصالحها، لا سيّما لجهة تصدير الغاز، بحيث كانت واشنطن تُعوّل على إنجاز إتفاق سريع لتبديل الغاز الروسي وتأمين الغاز إلى أوروبا، ما يُساهم بمحاصرة روسيا أكثر وعزلها اقتصاديّاً.

إنّ العناصر الرئيسية للعلاقات الروسية - الإيرانية كانت تقوم على التجارة الثنائية، التي يعتريها التنافس الشديد في المنطقة، والتنافس الجيوسياسي لروسيا مع القوى الأخرى للهيمنة على إيران. أمّا اليوم، فأضحت العلاقة تأتي ضمن رسم معادلة لتشكيل جبهة تُساعد روسيا المعزولة على المواجهة. لذلك، عادت موسكو للتمسّك بإيران كبوابة للصراع مع الغرب، بعدما باتت متنفّسها إلى الخارج، وتحديداً إلى الدول التي تخضع للعقوبات الدولية، والتي تُشكّل حلبة صراع دولية مع الغرب.

لا شكّ بأن قمة بوتين باءت بالفشل، إذ تمثلت بعدم القدرة على الضغط على تركيا بشيء، وعدم تسجيل أي نقطة لصالحها للمحافظة على حليفها الرئيس السوري بشار الأسد. ربّما صورة الإنتظار التي نقلتها شاشات الإعلام العالمي لبوتين في القاعة قبل حضور أردوغان، تُشير بوضوح إلى أن الرئيس الروسي تلقى صفعة من نظيره التركي.


MISS 3