خالد العزي

غزو أوكرانيا وتأثير العقوبات على الإقتصاد الروسي

29 تموز 2022

02 : 01

نسبة البطالة ارتفعت في روسيا (أ ف ب)

لا شك بأن المملكة المتحدة باتت تُشكّل رأس حربة فاعلة في فرض العقوبات على روسيا. لقد فرضت لندن عقوبات جديدة في 26 تموز على 42 شخصاً وكياناً روسيّاً بسبب غزو أوكرانيا، كما قدّم الاتحاد الأوروبي الحزمة السابعة من العقوبات ضدّ روسيا في 21 تموز، وقد ضمّت عدداً من المسؤولين والجهات الفاعلة والمنظمات الروسية الرائدة. وضمت القائمة 57 شخصاً ومجموعة من الكيانات الروسية، وكان أبرزها فرض عقوبات على الذهب الذي يُشكّل مورداً رئيسيّاً بعد النفط والغاز الروسيين.

لقد طالت العقوبات البريطانية منذ غزو أوكرانيا حتّى الآن أكثر من 1000 فرد و100 شركة من روسيا، فيما حظرت المملكة المتحدة أخيراً استيراد الذهب والفحم وإمداد الطيران الروسي بوقود الطيران والسلع الكمالية والتقنيات المتعلّقة بالنفط ومعالجتها، وتدخل العقوبات الجديدة حيّز التنفيذ اعتباراً من الشهر المقبل. إن الهدف من فرض عقوبات جديدة يكمن بعدم السماح في المستقبل بايقاع خسائر بشرية لا معنى لها، وتحجيم التضخم العسكري الروسي، والتغلّب على حالة التهديد في شأن إمدادات الطاقة، والقضاء على الصعوبات المتعلّقة بالإمدادات الغذائية.

نحن أمام عقوبات مستمرّة تفرض من قبل الدول الغربية المؤثرة على الاقتصاد العالمي، لأنّ تفعيل هذه العقوبات لن يؤثر على النظام المصرفي العالمي القادر على امتصاصها، إذ بنيت الإجراءات الإدارية والمعلوماتية واللوجستية والتقنية والبشرية اللازمة لمواجهة هذه الضغوط واستيعابها والعمل على التدقيق في حسابات الزبائن ومصادرة أموالهم. وبحسب المفهوم الغربي، فإنّ العقوبات قد تتوسّع وتستهدف فئات مباشرة أو أخرى بطريقة غير مباشرة، وذلك بغية أن تكون أكثر فعالية.

العقوبات الغربية ضدّ روسيا تتصاعد بشكل ممنهج، والخزانة الأميركية تضع أهدافاً محدّدة ومراحل لتطبيقها. أصبحت العقوبات موجعة وتُصيب موسكو في الصميم، على الرغم من المحاولات العديدة للإلتفاف عليها. وهذه العقوبات لا تختلف عن تلك التي تُفرض على إيران والنظام السوري. الشركات الغربية أبلغت كلّ المعنيين بوجوب تطبيق العقوبات بحزم، وعدم تحدّيها من خلال النظام المصرفي العالمي. بالرغم من تأكيد القيادة الروسية مراراً أن العقوبات لن تؤثر على الدولة، لكن الدورة المالية والاقتصادية الأساسية ليست منفصلة عن الدورة المالية العالمية، وبالتالي فإنّ ماليّتها سوف تتأثر كثيراً بالعقوبات الجديدة، ولها انعكاساتها الواضحة الآتية:

- تراجع في الإنتاج القومي بنسبة 11 في المئة مقارنةً مع العام الماضي.

- منذ غزو أوكرانيا بات التراجع الفعلي بصادرات التكنولوجيا العالمية بنسبة 70 في المئة، على الرغم من أن روسيا مجبرة على استخدام شرائح التكنولوجيا للمنتوجات واستيرادها من الغرب.

- أوقفت شركتا «بوينغ» و»ايرباص» عمليات التسليم لروسيا، والهبوط في مطاراتها وبقيت الطائرات الروسية التي تطير إلى الخارج بعدد 876 طائرة، على الرغم من لزومها إلى قطع غيار من الغرب.

- سجّلت البطالة الروسية ما يُعادل 11 في المئة منذ انطلاق الحملة العسكرية الخاصة ضدّ أوكرانيا، ما يعني أن العقوبات الغربية فرضت على روسيا أزمة جديدة اسمها البطالة والتي قد تصل إلى نسبة 60 في المئة.

- ايقاف تصنيع واعداد السيارات الغربية في روسيا وانسحابها من السوق، ما يعني فقدان الروس رواتب عالية بسبب هذه العقوبات.

- مغادرة الشركات الأجنبية العاملة في روسيا، من دون تمكّن الدولة من ايجاد بدائل لها، ما يؤدي إلى فقدان الكثير من الوظائف.

- انخفاض تجارة البورصة في عمليات التداول للأوراق المالية بنسبة 9.7 في المئة في شهر أيار مقارنةً مع العام الماضي.

- على الرغم من إعلان البنك المركزي أنه يُسيطر على الدولار ويُحافظ على عدم صعوده، لكن المصارف الروسية تحتكر العملات الصعبة ما ساهم بنمو السوق السوداء البديلة.

لكن الأساس في العقوبات الغربية هي المفروضة على التكنولوجيات وقطع التصنيع والبنوك، حيث فصلت روسيا عن نظام «سويفت» والتضييق على النفط والغاز والذهب واحتجاز كلّ الأرصدة الخاصة بالأولغارشيين الروس. والهدف الحقيقي لكلّ هذه العقوبات التي تفرض على الشخصيات الروسية هو إبعاد حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عنه وعن سياسته في الداخل والخارج.

لذا، فإنّ العقوبات الأميركية الجديدة التي تفرض ضدّ شخصيات وكيانات روسية، هي رسالة لهم أوّلاً، وتحمل في طياتها أكثر من رسالة إلى الصين والدول الأخرى، إذ إنّ العقوبات قد تطال مقربين منها وتضعهم لاحقاً على اللائحة الأميركية السوداء. إنّ واشنطن تُفعّل عقوباتها ضدّ موسكو بهدف أن تؤتي ثمارها بعدما كانت آراء في الإدارة الأميركية تقول إنّ هذه العقوبات لن تُجدي نفعاً. ويؤكد الصقور بوجوب الاستمرار في تطبيق العقوبات والتحلّي بالصبر الإستراتيجي.


MISS 3