رامي الرّيس

الشعارات الزائفة تتساقط!

3 كانون الثاني 2020

02 : 00

منذ أن شوهت بعض الأطراف السياسية بطريقة منهجية ومتتالية المفاهيم الدستورية الأساسية المرتبطة بالديموقراطية التوافقية والميثاقية والمشاركة وصيغة المناصفة، تحولت إدارة الشأن العام في لبنان إلى الكثير من التعقيد وتشابك المصالح الفئوية، وفاقمها غياب آليات المحاسبة والمساءلة وتدجين القضاء وإضعاف المؤسسات الرقابية.

فالديموقراطية التوافقية تتيح حق المشاركة لمختلف مكونات المجتمع في السلطة وإدارة الحكم كي لا يشعر أي منها بالغبن أو التهميش، وكي تتاح القنوات السياسية التي توفّر شكلاً من أشكال الحكم الجماعي أو المشترك لشؤون الدولة، ولكنها لا تعني بأي حال من الأحوال منح حق النقض لكل فريق من الفرقاء، لأن ذلك يعطل العمل المؤسساتي والدستوري ويأسره ويجعله رهينة الاعتبارات المصلحية لهذا الطرف أو ذاك.

من الأمثلة الفاقعة على ذلك في لبنان: تأخير تأليف الحكومات لأشهر طويلة لتوزير شخصيات معينة، تعطيل 43 جلسة لإنتخاب رئيس الجمهورية في انتظار التوافق على شخصية معينة دون سواها، وقف تنفيذ نتائج مباريات مجلس الخدمة المدنية، إلى ذلك من الأمثلة التي أدت إلى تفريغ النظام الديموقراطي من مضمونه.

أما بدعة الميثاقية التي اخترعتها الأطراف السياسية ذاتها والتي لا تعني عملياً سوى تكريس المنحى "القبائلي" للمجتمع اللبناني، من خلال تثبيت دعائم الطائفية والمذهبية وتسهيل تغلغلها نحو كل مفاصل الدولة والحياة الاجتماعية؛ فهي لا تعدو كونها ذريعة تستغل سياسياً لتحقيق المكاسب المصلحية. تماماً كما هي الشعارات التي ترفع في حقبات السباق الانتخابي وتتحدث عن استعادة "الحقوق المسلوبة"، وفي ذلك دغدغة للمشاعر الطائفية والمذهبية حصراً.

لقد حسمت وثيقة الوفاق الوطني اللبناني (إتفاق الطائف) صيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، بمعزل عن النمو الديمغرافي وتطور أعداد أبناء الطوائف والمذاهب، وهذا مكسب هام للبنان ولكل مكوناته السياسية بما يؤكد تعدديته وتنوعه. ومن واجب المسلمين قبل المسيحيين الحفاظ على هذه الصيغة من المناصفة.

إلا أن هذا الأمر، على أهميته، يفترض ألا يحول دون تطبيق المواد الأخرى من الدستور التي تناولت آليات الإنتقال نحو الدولة المدنية التي لا تنكر وجود الطوائف والمذاهب، بل تؤطر حركتها في أطر مؤسساتية وسياسية، توفق بين حفاظها على "حقوقها" وبين قيام الدولة العادلة التي لا تميز بين مواطنيها وتصنفهم درجات أولى وثانية وثالثة حسب إنتمائهم المذهبي والطائفي.

المنعطف الذي يمر به لبنان في هذه المرحلة لا تقتصر مخاطره على الشق الإقتصادي والمالي والنقدي، رغم قساوته وشدته، بل هو يتصل بجوهر مشروع الدولة المرتجاة التي حالت جدران الطائفية والمذهبية دون قيامها على مدى عقود من الزمن.

التحديات الأساسية لا تزال ماثلة، لا بل إنها تزداد صعوبة وتعقيداً مع دخول "لبنان الكبير" مئويته. إنه وطن يستحق الحياة، ويستحقها بشكل أفضل!