نغم شرف

"موت مؤبّد" في هذه المنطقة

8 تموز 2019

08 : 41

تدخل "أميرة" على خشبة المسرح بوردة حمراء على شعرها وحذاء أبيض برجلها اليمنى فقط، مرتبكة بكل حركات جسدها فنشعر أنها طفلة صغيرة توقّف نموها بعمر الثامنة على الأكثر. تقف امام لجنة التحكيم لفيلم هوليوودي في إحدى شركات الإنتاج الضخمة، وتبدأ بسرد قصّة حياتها من خلال تأدية الأدوار بهدف الحصول على دور واحد في الفيلم مؤكدّة أن "كل الأدوار تناسبها وتشبهها". تعبّر عن هوسها بالأحذية تحديداً "سكربينة" أمها البيضاء التي دفعتها إلى التمثيل، ومن هنا نلحظ أنها أضاعت إمكان صناعة قصصها الشخصية بسبب كل ما عاشته في طفولتها من حروب وتهجير، فانتعلت قصص غيرها، وأصبحت عبارة عن شخصية مركبة من أجزاء أمها وأبيها وكل من صادفتهم عن قرب في طفولتها.
"السكربينة البيضاء" هي قصة والدتها الشرقية التي حطّمها المجتمع واختزلت كل حياتها بدور الامومة فتحولت من ضحية مجتمع إلى جلاّدة ابنتها، أما النعل العسكري فهو قصة الآباء الذين حاربوا حتى أصبح الحذاء على رؤوسهم، و"الشحاطة" تمثّل الراحة داخل المنزل، والصفعات التي كانت تتلقّاها على وجهها. تكشف عن وقع الحرب عليها وتغييرها لمجرى حياتها بقول جمل مثل: "سمانا غير سما الطيران الحربي"و "ما بذكر كيف مات بس المهم صار شهيد".
ولدت أميرة بكفن أبيض، حبلت وأنجبت على المسرح كفناً آخر، ستلف نفسها فيه لتؤدي الدّور الذي حصلت عليه وهو "جثة امرأة لن يسمع صوتها طوال الفيلم"، الأمر الذي جعلها تثور وتفهم أنها ضحية كوكب لا يريد فصلها عن مأساتها الشخصية ولن يقدّم لها سوى دور واحد، تسقي أميرة طرحات العرس دماً، فتتحول إلى امرأة تَصنع ما صُنع بها، وتعبّر عن غضبها بحركات جسدية شبه مثالية، ولديها تأثير على المشاهد".
تقدمت القصص في مسرحية "موت مؤبّد" كتابة وإخراج جيزيل خوري، تمثيل صوفيا موسي، من مرحلة إلى أخرى من خلال الشخصيات التي لعبتها صوفيا بمهارة وبحركة جسد صادمة، كأنها تؤدي أمام لجنة تحكيم حقيقية. انتقلت من فكرة إلى أخرى من خلال التمثيل بطريقة سلسة، وحين كانت تبالغ بالتعبير عن فكرة، كانت تكسر المبالغة في المشهد التالي بكلمة او بحركة معاكسة. إكتشفنا شخصيتها في نهاية القصة وكيف أنها تركيبة عقّدتها الحرب وتصارع بهدف البقاء في هذه المنطقة.
السينوغرافيا بسيطة لكنها جميلة من ناحية الموسيقى، وعناوين الأفلام الأجنبية التي عرضت في النهاية بهدف إعلان التنميط الذي يحصل على المناطق العربية، وفي المقابل تمّ عرض افلام مقابلة لها تدحض هذه الأفكار وسمعنا أصوات رجال السياسة والدين في جمل كان لها تأثير سلبي أو إيجابي في تاريخ المنطقة من النواحي السياسية، وأدت إلى تغيير حياة البشر.
حاولت جيزيل خوري أن تعكس من خلال مسرحيتها تروما الحرب، وتداعياتها التي تلاحق كل من اختبرها إن كان من ناحية الذكريات أو الأحكام المسبقة على الشخص، بسبب منطقته والصراعات اللامتناهية من الغضب والعنف وثقافة الموت. في بعض المشاهد كان تسلسل السيناريو غير مفهوم بطريقة مباشرة للمشاهد، أم أنه كان أطول من اللاّزم. كما أن المسرح أصبح بحاجة من الأشخاص الموهوبين الى ثيمة بعيدة عن الحروب رغم أهميتها في تكوين التاريخ الشخصي لجيل بأكمله، لكنّها أصبحت اكثر من متداولة وتدور حول الأفكار نفسها، ورغم هذا الأمر استطاعت جيزيل أن تحكي عن المرأة من ناحية نسوية، وحملت قضيتها، كذلك الأمر عن الرجل والطفل، وربّما أجمل ما فعلته هو عدم استسلامها وحفاظها على إيمانها بالمسرح الذي نحتاجه كلّنا.


MISS 3