الأكراد أمام مفترق طرق صعب: هل يدفعون ثمن التقارب بين أنقرة ودمشق؟

02 : 00

خلال تظاهرة مناهضة للتقارب بين أنقرة ودمشق في إدلب أمس (أ ف ب)

بات أكراد سوريا أمام مفترق طرق صعب للغاية، خصوصاً بعدما بدأت أنقرة ودمشق تتقاربان من بعضهما خطوة بخطوة بعد قطيعة استمرّت منذ اندلاع النزاع في سوريا العام 2011. فماذا عن تداعيات اللقاء الثلاثي بين وزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا في موسكو المتوقعة على الإدارة الذاتية الكردية المدعومة أميركيّاً والتي تُلوّح أنقرة منذ فترة بشنّ هجوم برّي ضدّ مناطق سيطرتها في الشمال السوري؟

قبل اندلاع النزاع السوري، كانت تركيا حليفاً اقتصاديّاً وسياسيّاً وديبلوماسيّاً أساسيّاً لسوريا. وجمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقة صداقة بالرئيس السوري بشار الأسد. إلّا أنّ علاقتهما انقلبت رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات السلمية ضدّ النظام وقمع دمشق التظاهرات بالقوّة. وبعدما أغلقت أنقرة سفارتها في دمشق في آذار 2012، كرّر أردوغان وصف الأسد بـ"المجرم"، بينما وصف الأخير نظيره التركي بأنه "لصّ" وداعم لـ"الإرهابيين".

قدّمت تركيا دعماً للمعارضة السياسية واستضافت أبرز مكوناتها في اسطنبول، قبل أن تبدأ دعم الفصائل المسلّحة وتؤوي قرابة 4 ملايين لاجئ على أراضيها. وعلى الرغم من أن تركيا شنّت منذ 2016 ثلاث هجمات ضدّ المقاتلين الأكراد، مكّنتها من السيطرة على أراض سورية حدودية واسعة، إلّا أنها لم تدخل في مواجهة مباشرة مع دمشق إلّا بشكل محدود عام 2020، سرعان ما انتهت بوساطة روسية.

بعد سنوات القطيعة، برزت مؤشرات تقارب تدريجاً. وعلى هامش قمة إقليمية عام 2021، أجرى وزيرا خارجية البلدَين محادثة مقتضبة غير رسمية، في حين أقرّت أنقرة ودمشق بتواصل على مستوى أجهزة الاستخبارات. ودعا وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو في آب الماضي إلى مصالحة بين النظام والمعارضة في سوريا. لاحقاً، ومع تهديده بشنّ هجوم بري ضدّ الأكراد، تحدّث أردوغان في تشرين الثاني عن احتمال لقائه مع الأسد.

وجدّد الرئيس التركي الإشارة إلى إمكان حصول اللقاء بعد اجتماعات على مستوى وزيرَي الدفاع والخارجية، فيما تلعب روسيا دوراً أساسيّاً لتحقيق التقارب بين حليفَيها اللذَين يجمعهما "خصم" مشترك يتمثل بالمقاتلين الأكراد. وبالفعل، فقد أعلنت موسكو أن المحادثات بين وزراء الدفاع الروسي سيرغي شويغو والتركي خلوصي أكار والسوري علي محمود عباس تطرّقت إلى "سُبل حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين"، وكذلك "الجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرّفة"، من دون تسميتها.

وأشادت الدول الثلاث بـ"الإيجابية" خلال اللقاء. وشدّدت موسكو ودمشق على ضرورة "مواصلة الحوار" لإرساء الاستقرار في سوريا. وأشار مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام أبو عبدالله لوكالة "فرانس برس" إلى ارتباط الاجتماع بـ"تطوّرات تتعلّق بالعملية العسكرية التركية التي كانت مقرّرة في الشمال، وعملت موسكو على وقفها"، معتبراً أنّ "انتقال الاجتماعات إلى وزراء الدفاع يعني أن هناك عملاً ميدانياً عسكرياً لا بدّ من تنسيقه بشكل دقيق بين الأطراف الثلاثة".

وأوضح الباحث في معهد "نيولاينز" نيك هيراس أن أردوغان "يتعرّض لضغوط سياسية لشنّ عملية عسكرية في سوريا، وإعادة أكبر عدد ممكن من السوريين من تركيا" إلى بلدهم قبل موعد الانتخابات التركية في حزيران، معتبراً أنّه "إذا منح الأسد أردوغان الضوء الأخضر لشنّ عمليات جوية ضدّ الأكراد، فإنّ حرباً ستتبعها قريباً"، في وقت فشلت فيه جولات محادثات متقطّعة قادها النظام السوري مع الإدارة الذاتية الكردية التي تُسيطر على أراض تضمّ أبرز حقول النفط ومساحات زراعية واسعة، تُريد دمشق استعادتها بطريقة أو بأخرى.

لقد باتت الخيارات المتاحة أمام الأكراد الذين تصدّوا بشراسة خلال سنوات النزاع لتنظيم "الدولة الإسلامية"، صعبة ودقيقة، في ظلّ وجود مصالح مشتركة بين الدول الثلاث لإنهاء نفوذهم وإضعاف داعمتهم واشنطن، التي اكتفت خلال الأسابيع الماضية بالتحذير من مغبة التصعيد. وفي هذا الصدد، قال الباحث الفرنسي المتخصّص في الشأن السوري فابريس بالانش: "الهدف المباشر للدول الثلاث هو القضاء على قوات سوريا الديموقراطية" (قسد).

تُريد أنقرة، وفق بالانش، "القضاء على التهديد الكردي" قرب حدودها، بينما تسعى روسيا إلى "تصفية حليف للولايات المتحدة في سوريا، أي "قوات سوريا الديموقراطية"، وبالتالي تقوية حليفها بشار الأسد". أمّا دمشق، فتُريد "استعادة الأراضي وخصوصاً ثروتها النفطية" من الأكراد في شمال شرق البلاد والذين تحمل عليهم علاقتهم مع واشنطن، وتنتظر من تركيا "القضاء على الجهاديين في إدلب"، في إشارة إلى "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً)، التي تُسيطر مع فصائل أخرى على نحو نصف مساحة محافظة إدلب ومحيطها.

وفي حال رفض الأكراد تلبية مطلب أنقرة المتجدّد بالانسحاب لمسافة 30 كيلومتراً عن الحدود، فإنّ اللقاء الثلاثي سيُشكّل محرّكاً "لغزو تركي". ورأى بالانش أن "الهجوم التركي ليس إلّا مسألة وقت"، إذ "يحتاج أردوغان إلى انتصار ضدّ الأكراد في سوريا في إطار حملته الانتخابية". بالتزامن، دعت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أنقرة خلال اتصال هاتفي مع نظيرها التركي مولود جاويش أوغلو الخميس، إلى التمييز بين "حزب العمال الكردستاني"، الذي تعتبره تركيا والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، والأكراد، وفق ما ذكرت باريس.

توازياً، دعا "مجلس سوريا الديموقراطية"، الذراع السياسية لـ"قوات سوريا الديموقراطية"، السوريين، إلى "مواجهة هذا التحالف وإسقاطه". وجاء في بيان للمجلس: "ننظر بعين الشك والريبة إلى الاجتماع" بين وزيرَي دفاع البلدَين "برعاية روسية". وفي الأثناء، تظاهر مئات السوريين في شمال وشمال غرب البلاد مندّدين بالتقارب التركي - السوري. وفي مدينة الباب، كبرى مدن الشمال السوري والواقعة تحت سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة، رفع المتظاهرون رايات المعارضة ولافتات عدّة، كُتب في إحداها "من الأخير لن نُصالح". وإضافةً إلى مدينة إدلب، شهدت مناطق عدّة في شمال محافظة حلب تظاهرات مماثلة، بينها أعزاز وجرابلس ومارع، تحت مسمّى "نموت ولا نُصالح الأسد"، وفق "المرصد السوري".

ميدانيّاً، قُتل 12 من عمّال حقل نفطي تحت سيطرة الحكومة السورية جرّاء هجوم مباغت شنّه تنظيم "الدولة الإسلامية" في شرق سوريا صباح أمس، بعد يوم من بدء القوات الكردية عملية أمنية للقضاء على الجهاديين في شرق البلاد. وبحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، فقد استهدف الهجوم الذي نفّذته "خلايا" تابعة للتنظيم الإرهابي، حافلات تقلّ عاملين في حقل التيم النفطي في ريف دير الزور الغربي الذي يُعدّ جزءاً من البادية المترامية الأطراف التي انكفأ إليها مقاتلو "داعش" منذ إسقاط خلافته في آذار 2019 وخسارته كلّ مناطق سيطرته.

وبدأ الهجوم بـ"تفجير عبوات ناسفة لدى مرور الحافلات، قبل أن يُبادر عناصر التنظيم إلى إطلاق الرصاص عليها"، ما أودى بحياة 12 من العاملين السوريين في الحقل، بحسب "المرصد السوري". وجاء هجوم التنظيم في شرق سوريا، غداة إطلاق "قوات سوريا الديموقراطية" بالتعاون مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن، عملية أمنية في شمال وشمال شرق البلاد تحت مسمّى "صاعقة الجزيرة". وتحدّثت "قسد" في بيان أمس عن توقيف "52 مرتزقاً من "داعش" وميسّري عملياته الإرهابية، كانوا يحتمون في المناطق السكنية".


MISS 3