خالد العزي

السلطة والحراك اللبناني...

29 كانون الثاني 2020

02 : 00

من الإشكالات أمام أحد مداخل مجلس النواب

لم يتفاجأ احد من الشعب اللبناني بالصور التي انتشرت على وسائل التواصل للمصابين بالحراك في الأيام الاخيرة، وخصوصاً صور أولئك الشباب الذين فقدوا عيونهم نتيجة الاصابات المباشرة من بعض عناصر قوى الامن التي تعمدت اطلاق النار مباشرة على العيون والرقاب في تحد وحشي للمتظاهرين وارسال رسالة قوية لتخويف البقية من عدم السير في التظاهر.

فالصورة كانت اوضح للشابة اللبنانية سناء الشيخ التي اعتلت السور الحديدي للتعبير عن المواجهة التي يحاول المتظاهرون من خلالها الرد على تعنت السلطة وتجاهلها مطالبهم في إطار استمرار التظاهر والرد الفعلي الذي سيقوم به الشباب من مختلف الفئات العمرية والجنسية في مواجهة السلطة.

فاذا حاولنا تعريف السلطة السياسية هي "ظاهرة اجتماعية لها القدرة الفعلية على احتكار وسائل القمع والإكراه، داخل الجماعة بهدف تحقيق الانسجام، والأمن الاجتماعي لصالح هذه الجماعة".

فالسلطة السياسية اذا مرتبطة بالثقة والإكراه، وهما العنصران اللذان يتفاوتان وفق الجماعات البشرية، ولكنهما متواجدان مع بعضهما دائماً، غير أن الثقة أو الرضا يختلفان من شخص لآخر، ومن جماعة لأخرى، ومن وقت ومكان لآخر، كذلك الحال بالنسبة للإكراه الذي يمارس بأساليب ووسائل مختلفة، فقد يستعمل للتهديد فقط أو للإبعاد أو للعقاب.

ومن المؤكد أن السلطة السياسية ضرورية لقيام الدولة، وهي أيضاً ضرورية لكونها الوسيلة التي بواسطتها تستطيع الدولة القيام بوظائفها الداخلية والخارجية، ولا ينافسها في ذلك أحد، وهو ما يستتبع تمتعها(أي الدولة) بالقوة والقهر واستحواذها لوحدها على القوة العسكرية لحماية مصالح الأفراد والجماعات التي أقامتها وتنظيم أمرها بما يتماشى والصالح العام، لأن وظيفة الدولة في العصر الحديث، لم تعـد محصورة في حماية مصالح الحاكم ومجموعته عن طريق القوة، وإنما أصبحت تمتد إلى العديد من المجالات، وهدفها تحقيق أكبر قسط من العدالة والمساواة، في دولة تخوض سلطتها مواجهة شعبية في الشارع، طبعاً المواجهة الاخيرة مع الامن الداخلي حول مجلس النواب كان استراتيجية جديدة من قبل المتظاهرين بالتواجد امام المجلس واسقاط شرعيته في محاولة منهم للدخول الى باحة المجلس والاعتصام، فكان الرد بشكل قاسٍ من قبل حماة الامن وبتصرف غير مقبول تحت حجج وهمية غير مقنعة للشارع الداخلي والخارجي.

طبعا ثلاثة أشهر من السلمية كانت تمارس بطريقة مميزة من قبل شباب الانتفاضة تحث السلطة على تأدية واجبها القانوني تجاه شعبها لكن لا حياة لمن تنادي. السلطة تمارس المناكفة السياسية وعدم المبالاة وسياسة الانكار لما يحدث في الشارع وهي تشكل حكومة يتنازع فيها فرقاء الصف الواحد على الحصص والمغانم من دون الالتفات لما يحدث في الشارع، الاقتصاد ينهار تدريجياً وتهريب الاموال واقفال المصارف وسوق الصيرفة الذي يعمل دون حسيب او رقيب. السلطة السياسية تضم الى فريقها القوى الامنية والمصارف والسلطة القضائية والامنية وهي تشكل سلطتها القادمة لمواجهة الشارع وكأن المشكلة في لبنان امنية وليست اقتصادية واجتماعية وقانونية.

يجتمع رئيس البلاد بقادة الاجهزة الامنية ووزيري الدفاع والداخلية، ويصدر بيان قاسي اللهجة في ملاحقة الزعران من دون الاعتذار للمصابين والجرحى.

يُضرب الاعلاميون وتتحطم كاميراتهم ويصاب البعض من دون الاعتذار للجسم الاعلامي الذي يقوم بمهامه في التغطية ونقل الحدث الذي ليس من صناعته، يمنع الاعلام المرئي من متابعة التغطية للأحداث التي تعصف بالبلد، وعدم نقل اخبار الحراك الذي لا يزال بعيداً عن كاميرات القنوات الفضائية.

تحترق خيم المتظاهرين امام الاعلام المحلي والعالمي من دون اي ردة فعل من السلطة التي تقول بواسطة المدير العام لقوى الامن الداخلي في مؤتمره الصحافي "اذا اعتديتم علينا سنرد وعليكم ابعاد المندسين من صفوفكم" وكأن هذه مسؤولية المتظاهرين.

يُعتقل النشطاء ويضربون ويصاب العديد ولا اي اعتذار بالرغم من ان التحقيقات مع هؤلاء أثبتت بانهم ليسوا مندسين وليسوا مخربين او قطاع طرق بل من الثوار في سبيل استعادة وطن.

ومن هنا نرى بان السلطة ضرورية في المجتمع رغم اختلاف أشكالها لصعوبة تحقيق الانسجام بين أفراد المجتمع، من دونها فإنها تعتبر بالتالي ضرورة وظاهرة اجتماعية، لارتباطها بالجماعة وبالنفس البشرية. فالجماعة لا تستقيم من دون سلطة سياسية تعمل على تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد من جهة، ومصالح الجماعة من جهة أخرى. فعلـة وأساس قيامها وبقائها، يكمن في تحقيق ذلك التوازن وإلا فقدت مشروعيتها وسندها الاجتماعي، كذلك فإن السلطة السياسية ظاهرة قانونية لارتباطها بالقانون، ذلك أنها في عملها الهادف إلى كفالة التوازن بين المصالح الفردية، ومصالح الجماعة وحمايتها، عليها أن تضع نظاماً يحقق ذلك، هذا النظام الذي لا يمكن أن يكون سليماً ومقبولاً إلا بقيامه على قواعد سلوكية ملزمة تسمى بالقانون، ولهذا فإن القانون ضرورة تلجأ إليها السلطة لتنظيم أمور الأفراد وتقييد اندفاعهم، وتغليب مصالحهم على مصلحة الجماعة، فهي التي تقيد بواسطة تلك الوسيلة غرائز ومطامع الأفراد، غير أن هذا لا يعني بأن وجود السلطة السياسية، يتنافى مع وجود حريات وحقوق للأفراد، فهي بالإضافة إلى ذلك تبين حقوق وحريات الأفراد وتضمن ممارستها وحمايتها بما يتماشى وتحقيق الصالح العام. إلا أن هذا لم يحدث إلا بعد صراع مرير بين السلطة والحرية، وبتعبير أدق العلاقة بين الحاكم والمحكومين.وفي ظل ذلك الصراع المرير في لبنان تعلن حكومة الرئيس حسان دياب بعد الهرج والمرج السياسي من دون برنامج واضح يأخذ بعين الاعتبار مطالب المتظاهرين والحراك الذي يعيش في الشارع منذ اكثر من 100يوم ويقول في بيانه بانها حكومة تكنوقراط وهي حكومة من لون واحد بل باتت حكومة لبنان وسوف يجتمع بالمختصين لكي ينظر بالحلول الاقتصادية القادمة التي تتطلب وقتاً.

فالسؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن ان تستمر هذه الحكومة وتأدية مهامها، اذا لم تطرح رزمة حلول سريعة للازمة، تبدأ بالمعالجة الفعلية من الداخل اللبناني الذي بات امام انفجار محتمل.