خالد العزي

قبضة الثورة والحراك اللبناني...

3 آذار 2020

03 : 35

القبضة اللبنانية تُطالب بالتغيير (فضل عيتاني)

منذ اليوم الاول لاندلاع الانتفاضة اللبنانية كانت احزاب السلطة تنعتها بكل النعوت السيئة لإفشالها والانقضاض عليها لأنها لم تتمكن من إستيعابها والسيطرة عليها وتحويل توجهاتها بخدمة اجنداتها الخاصة.

ظهرت في ساحة الشهداء كمجسم صنع للتعبير عن الثورة على شكل قبضة للثورة التي اثارت العديد من القوى والاطراف التي لم تعجبها القبضة حيت باتت هذه القوى تحرّض اعضاءها على القبضة واتهامها بانها من الصناعة الغربية وتحديدا الاميركية...

قصة الثورة في لبنان لم تبدأ برفع شعار القبضة التي احتلت لاحقا كل ساحات الاعتراض في معظم المناطق اللبنانية المنتفضة، حيث باتت تمثل الرمز الفعلي للثورة وشعارها الذي يرمز لسمتها ولمفهوم الاعتراض والرفض بل بمفهوم الاعتراض.

اذا عدنا بالتاريخ الى الوراء نرى ان القبضة كانت شعارا للثورة الهندية ضد الانتداب البريطاني، والتي قادها المهاتما غاندي، السياسي الكبير والزعيم الروحي للثورة السلمية الهندية، حيث واجه الاستبداد وقاد العصيان المدني، وأصبحت القبضة تمثل شعار الثورة السلمية الهندية في وجه الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وألهمت الكثير من حركات المطالبة بالحقوق المدنية وبالحرية في جميع أنحاء العالم.

كذلك في شهر شباط من العام 1990 اطلقت سلطات بريتوريا سراح نيلسون مانديلا من السجن ليظهر في اول صورة له رافعاً القبضة اليدوية لتكون القبضة شعار الاعتراض الذي ادى الى تفكيك النظام العنصري من خلال النضال السلمي.

اما رفع القبضة بشكل جماعي فكان ذلك في تظاهرات طهران التي برزت عند وصول الامام الخميني الى طهران حيث استقبلته تظاهرة سلمية كبيرة برفع القبضة في شكل اعتراض شعبي سلمي على نظام الشاه لتكون القبضة شعاراً رمزياً لإسقاط نظام السافاك.

في اواخر الالفية الثانية ومع بداية تفكك الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الإشتراكية في أوروبا الشرقية كانت حركات الاحتجاج السلمي تعم دول المعسكر الاشتراكي، ففي العام 2000 كانت يوغوسلافيا في طليعة دول المواجهة الشعبية المطالبة بالحرية، فكانت قبضة اليد هي الرمز الذي اتخذته حركات المعارضة الصربية (اوتبور بالصربية Отпор وبالعربية تعني المقاومة )، هي حركة قام بها شباب صربيا، تستعمل طريقة الكفاح غير العنفية كاستراتيجية لها، حيث اعترف بدورها المهم والناجح في إسقاط سلوبودان ميلوسيفيتش.

وهنا تبدأ المشكلة بان الحركة تم تمويلها عن طريق منظمة الامن والتعاون الاوروبية والامم المتحدة ومنظمة حقوق الانسان لتنمية الديمقراطية المفقودة في صربيا. لكن الوجهة المعادية للثورة الصربية والثورات الاخرى اتهمت الحركة بأن تمويلها تم من قبل مؤسسة فريدوم هاوس (بيت الحرية) والاستخبارات الاميركية.

الاعلام المعادي ينشر قصصاً واخباراً عن الحركة بالقول ان النجاح الذي حققته الحركة في مهمتها يعود إلى تطويرها لاحقاً الى مركز لدراسات اللاعنف الذي يصدّر التجربة الجديدة الى الدول المراد تغيير أنظمتها حول العالم.

فكل الثورات التي انتشرت منذ العام 2000 حتى الانتفاضة اللبنانية في العام 2019، كان يطلق عليها انها جزء من استراتيجية اميركية تغييرية، لا تزال تمارسها في الفضاءات الدولية الخارجية لقلب الانظمة وتغيرها وفقا لمدرسة "اوتبور الصربية"، وربما من كان داعماً لهذا التوجه هو الإعلام الروسي نتيجة اندلاع الثورات في فضائه الداخلي كنتيجة للسلطات القمعية والدكتاتورية التي مارستها الأحزاب الحديدية على هذه الشعوب التي خرجت للمطالبة بالحرية والديمقراطية.

لكن الحقيقة التي تبتعد عن مخيلة الناس هي نتيجة استخدام الكم الهائل من ضخ المعلومات، ولا تشير هذه المعلومات إلى ان حركة اتبور انتهت في العام 2003، ولم يتم تجسيد دورها كحزب فكري لممارسة العمل السياسي في بلغراد، فالحركة انجزت ما كانت تريد الوصول اليه من خلال نشر ثقافة الديمقراطية والتعددية.

لكن العداء للقبضة اصبح موقفاً روسياً وموروثاً من قبل الانظمة القمعية العربية الحليفة لروسيا ونظامها، مما دفع بهذه الانظمة للترويج بأن: "القبضة هي صناعة اميركية والمتظاهرين يعملون لدى السفارات لتخريب الانظمة".

القبضة اللبنانية رُفعت كما حال باقي الدول الغربية والعربية التي رفعت القبضة فيها، نتيجة الحركات الشعبية التي كانت تطالب بالتغيير والتحرر، فكانت القبضة (قبضة اليد او قبضة الثورة) التي اعتبرت رمزاً للتغيير والثورة والحرية، والتي تعني أن الشعب هو من يقرر وهو من يحكم نفسه بنفسه ويتحكم بمقدرات دولته بنفسه، من دون سلطة قيادية سواء عسكرية او مدنية بحيث يبقى القرار الاول بيد الشعب.

لذلك رفعت الانتفاضة اللبنانية القبضة في ساحة الشهداء كرد فعل عفوي من قبل مجموعات معترضة على السلطة ومؤيدة للتغيير الطبيعي والسلمي ومطالبة بحقوق المواطنين المهمشة، فالقبضة في بيروت تعرّضت للعديد من الاعتداءات من قبل قوى الامر الواقع حيث احرقتها وحاولت في العديد من المرات منع رفعها في ساحة الشهداء والعمل على إخافة الثوار من اعتمادها رمزاً ثورياً، كونها صناعة اميركية ورمز الثورات السلمية وادارتها، مما شجع العديد من المجموعات على رفع التحدي ونشر القبضة في كل مناطق الاعتراض رغم تعرض العديد من الساحات لمواجهة مباشرة من قبل احزاب السلطة لإزالتها، وآخرها ساحة النبطية التي حاولوا منع رفع القبضة فيها خلال ذكرى مرور مئة يوم على الانتفاضة.

*صحافي وكاتب لبناني