أسعد بشارة

إنّها المنظومة

14 نيسان 2023

02 : 00

وفي الليلة الظلماء لا تتأخّر المنظومة في الظهور بمظهر الشّرير، القادر على الإطاحة بكلّ ما يهدّد مملكته المشيدة بحجارة من فساد. وبما أنّ أي استحقاق ديموقراطي بات يشكّل تهديداً، بمعنى نزع الغطاء ولو جزئياً عن ادّعاء التمثيل الشعبي، فإنّ هذا التهديد وجبت إزالته فوراً، وبالضربة القاضية، وهذا ما نفّذته المنظومة في الساعات الـ 48 الماضية، وما تستعدّ لاستكماله في الهيئة العامة لمجلس النواب، بتأمين نصاب جلسة الإطاحة بالانتخابات البلدية، باعتبارها استحقاقاً مزعجاً، في زمن التخلّص من كل ما يهدّد سقف الهيكل.

في عزّ الصراع بين «الأعدقاء»، أي بين النائب جبران باسيل من جهة، وحلف الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي المغطّى من «حزب الله»، من جهة ثانية، التقى الجميع في سرير سياسي واحد. التقوا على الإطاحة بالانتخابات البلدية، واتفقوا على عقد جلسة تشريعية لتحقيق الهدف المطلوب، فكان التقاء من الجميع على أولوية، تخطّت كل الصراعات السابقة.

لهذا سنرى كتلة باسيل تذهب صاغرة الى المجلس لتؤمّن النصاب خوفاً من الانكشاف في الاستحقاق البلدي، وسنرى الثنائي يربح جولة التأجيل كي يلجم في البقاع والجنوب والضاحية ألسنة الساخطين، الذين اكتووا بوجع الانهيار الاقتصادي، وسنشاهد الرئيس نجيب ميقاتي في حلقات مقبلة يرضخ للرئيس نبيه بري، وينفّذ تعهّدات الجلوس المسالم على كرسي السراي، التي لم تعد تنطبق، إلا على من قرّر أن يغمض عينيه بالكامل، عن وجود صلاحيات ودور وهيبة لهذا الموقع.

مرّة جديدة تقول المنظومة إنّ مصالحها واحدة، رغم الاختلاف على توزيع الحصص وتحديد الأحجام داخل النظام. مرّة جديدة تقول المنظومة إنّ بقاءها مرتبط باتحاد أعضائها واتفاقهم على منع السقوط، ومرّة جديدة تؤكّد أن ما جمعته المصالح لن يفرّقه الصراع على الأحجام.

إنها المحطّة الثانية بعد الانتخابات النيابية، التي يتفّق فيها بري وعون، وهو الاتفاق الذي يوازي تحالفهما في الانتخابات أهمية.

فعون وبري اللذان تعرّضا خلال ثورة 17 تشرين لأكبر نسبة من معدّل الغضب الشعبي، متّفقان على البقاء في سرير سياسي واحد، ولو من موقع الاختلاف، وهما يستعملان شدّ العصب الطائفي، لتصوير صراعهما على الاحجام، إلى صراع بين طائفتين، يفترض استمراره كي تبقى الزعامة في موقع آمن. لهذا كان إصرار الثنائي مدعوماً من تيار عون على نسف الانتخابات البلدية، كي يرتاح الجميع من إزعاج استحقاق ديموقراطي، سيكون بمثابة الانذار، بقرب أفول زعامات وسياسات ونهج، هو الأسوأ في تاريخ لبنان. لن تكتفي المنظومة المتماسكة حول مصالحها بتجديد الدولة العميقة، على الرغم من تحوّلها دولة فاشلة. فهي مستعدة للذهاب إلى النهاية في سباق الاستمرار.

ما تبقّى من ودائع يصرفها البنك المركزي، في تثبيت وهمي وموقّت لليرة، وما تبقّى من استحقاقات تنسف في ليل، وتنتظر المنظومة تجديد عقد إمساكها بالسلطة، عبر انتخاب رئيس يكون امتداداً للنهج المدمّر، فهل ستستطيع أن تمدّ جسراً بين الانهيار الحالي، والانهيار المتوقّع اذا ما جدّدت لنفسها بهدوء وبصمت دولي وعربي؟ الجواب يبدأ من معرفة هوية الرئيس المقبل.


MISS 3