شربل داغر

بأي حرف نكتب العربية؟

26 حزيران 2023

02 : 00

السؤال غريب، لكنه مدعاة للطرح من قبل البعض، وبين مرحلة وأخرى.

هذا ما واجهَني في منتصف التسعينيات، عندما كان عليّ أن أكون محكِّماً جامعياً في قبول مقترح بحثي يطلب درس الكتابة بالحرف اللاتيني. كانت تلك السنوات بداية انتعاش "النت" والبريد الإلكتروني، وتبادل الرسائل السريعة.

هذه النقلة الخطية بداية متجددة لما كان طرحَه المصري عبد العزيز فهمي في الثلاثينيات، ثم سعيد عقل في الستينيات، من القرن الماضي، أي اعتماد الحرف اللاتيني في كتابة العربية.

هذا ما لم ينجحا فيه، بخلاف ما فرضه كمال اتاتورك (عند قيام الجمهورية التركية) بتحويل كتابة اللغة التركية من الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني.

إلا أن ما ظهر في منتصف التسعينيات مختلف، ودواعيه مغايرة، إذ راج بنوع من الاستسهال لطلبة باتت ألفتهم متباعدة مع العربية، فيما يتعين منسوب الامل والتقدم لديهم في الإنكليزية حصراً.

ظاهرة اليوم لا تشبه ظاهرة الأمس، إذ إن ما يلجأ إليه متعلمون في الغالب، لا اصحاب الثقافة العامية، يفسر منسوب تطلعهم إلى لغة اجنبية، من جهة، ومنسوب تباعدهم، أي نفورهم التلقائي من العربية، من جهة ثانية.

هذا واقعُ حالٍ يُستحسن النظر إليه كما هو، من دون إنكار أو مكابرة.

هي ليست ظاهرة متعاظمة، لكنها تجعل كتبة العربية يتناقصون، ولا سيما في أجيالها الشابة التي تتطلع إلى ما هو أكثر من حرف كتابي، إلى العيش والعمل في بلدان التقدم الأكيد.

والواضح هو أن هؤلاء يُحسنون الكتابة بغير العربية بصورة أفضل، ولن يلبثوا أن يفارقوها من دون أسف في مستقبلهم الحياتي والثقافي.

لا يفيد أمام ما يجري التنبيهُ، ولا التقريع، بل البحث في ما للسياسات أن تنتجه بحيث تكون العربية مصدر ثقة، ومصدر جذب، لا العبءَ الكريه الذي يُستحسن التخلص منه في أول فرصة.


MISS 3