رواد مسلم

البشريّة ستدفع ثمناً باهظاً لأي حرب نووية

17 آب 2023

02 : 00

لعلّ حدوث أي صراع نووي بين الدول المتصارعة نتيجته الخراب العظيم والموت الجماعي العنيف والتأثير الخطر على البيئة، أصبح أكثر إحتمالاً، خصوصاً بعد وصول معضلة الأمن إلى مرحلة الجمود، أو مرحلة المساواة في الإبتكار والتطوّر التكنولوجي لصناعة القوّة العسكرية التقليدية، وتعدّد مسارح الصراعات الدولية، من الحرب في أوكرانيا وتهديدات روسيا باستخدام الأسلحة الذرية، والتجارب الصاروخية في كوريا الشمالية، والأزمات الكامنة بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان، وتسليح إيران المحتمل، والتوترات الدائمة بين الهند وباكستان، والصراعات الدائمة بين إسرائيل والدول المجاورة من جهة، ومع إيران من جهة أخرى. يُعدّ إنسحاب روسيا في شباط عام 2023 من معاهدة «نيو ستارت» لمراقبة الأسلحة النووية بين واشنطن وموسكو، مؤشراً آخر لجدّية بوتين بالتصعيد النووي واستخدام كافة الوسائل لإنجاح «العملية الخاصة» في أوكرانيا، وزيادة الردع النووي من خلال تقليل الشفافية النووية. فالمعاهدة تتعامل مع الصواريخ النووية طويلة الأمد والعابرة للقارات، وقد حدّدت المعاهدة ترسانة الدولتين النووية من الصواريخ العابرة للقارات بما لا يزيد على 700 رأس نووي في قواعد أرضية و1550 صاروخاً نوويّاً في الغواصات والقاذفات الجوية الإستراتيجية، والبالغة نحو 90 في المئة من الرؤوس الحربية النووية في العالم، مع امتلاك 800 منصّة ثابتة وغير ثابتة لإطلاق صواريخ نووية.

تمتلك روسيا اليوم حوالى 6275 سلاحاً نووياً، من الاستراتيجي (4275) والتكتيكي (2000). فالرأس النووي التكتيكي الذي يستخدم لضرب أهداف عسكرية في بقعة محددة، يتضمّن حمولة تفجيرية تتراوح بين 10 و100 كيلو طن (1 كيلو طن يساوي 1000 طن من مادة TNT)، والذي يمكن إطلاقه إمّا بواسطة صواريخ «كاليبر» (من الغواصات أو السفن) ومداه يصل إلى 2500 كلم، وإمّا من خلال نظام إطلاق الصواريخ «إسكندر» (من الأرض) ومداه الأقصى 500 كلم. أمّا حمولة الرأس الإستراتيجي فتتراوح بين 500 و800 كيلو طن ومداه أطول من التكتيكي. وبالنسبة إلى الفعالية، جدير بالذكر أنّ قنبلة ناكازاكي عام 1945 كانت بحمولة 21 كيلو طن، أي ذات رأس تكتيكي.

الخطر في الحرب الذرية هو في الآثار المدمّرة للإشعاع المباشر المميت الذي يمتدّ لمسافة ميل تقريباً إذا كان الانفجار بقوّة 10 كيلو طن، أو نصف قنبلة ناغازاكي. لكن تأثيراتها تختلف سواء انفجرت القنبلة على الأرض أو في الهواء، وتكون الطريقة الأخيرة أكثر فعالية إذا كان الهدف هو تدمير مدينة، وبعد ذلك يبدأ التساقط الإشعاعي، وهو تأثير خاص بالأسلحة النووية، ويمكن أن يستمرّ تأثيره لسنوات أو عقود، إلّا أن الآثار المميتة تستمرّ من أيام إلى أسابيع فقط.

من التأثيرات المهمّة هي «النبض الكهرومغناطيسي» الناتج عن طرد الإلكترونات من الهواء بواسطة أشعة «غاما» أثناء الاحتراق النووي، وهو يؤثر في الدوائر الإلكترونية، بحيث أن إطلاق «سلاح واحد كبير على بُعد 200 ميل تقريباً فوق مركز الولايات المتحدة»، يُمكن أن يُغطّي الدولة بأكملها في نبضة كهرومغناطيسية شديدة تكفي لإتلاف أجهزة الحاسوب وأنظمة الاتصالات والأجهزة الإلكترونية الأخرى، ويمكن أن يؤثر أيضاً في الأقمار الإصطناعية المستخدمة في الاتصالات العسكرية والاستطلاع والإنذار بالهجوم. أي حرب شاملة بين روسيا والولايات المتحدة، ستدفع 165 مليون طن من السخام الناتج من الحرائق الهائلة التي أشعلتها النيران النووية إلى الغلاف الجوي، وكميات هائلة من الغبار والمواد الكيماوية، وذلك من شأنه أن يحجب أشعة الشمس على الأرجح لسنوات عدّة، بحيث تُصبح مستويات سطوع الشمس بنسبة 40 في المئة فقط من مستواها الطبيعي عند خط الاستواء، و5 في المئة عند القطبَين. فبالإضافة إلى درجات الحرارة المتجمّدة، سيكون هناك انخفاض حاد في هطول الأمطار بمقدار النصف في كافة أنحاء العالم، ما سيؤثر على حياة الإنسان والحيوان والنباتات.

يبلغ عدد الأسلحة النووية 13500 رأس حربي حول العالم (روسيا 6275، الولايات المتحدة 5800، الصين 320، فرنسا 290، بريطانيا 215، باكستان 160، الهند 150، إسرائيل أكثر من 90 وكوريا الشمالية أكثر من 50).

على الرغم من وجود معاهدات لعدم انتشار الأسلحة النووية ومعاهدات تحظّر استخدامها، إلّا أنّ الردع النووي المتمثّل بالإنتاج والتطوير الدائم للأسلحة النووية يُمكنه أن يؤدي إلى نهاية العالم في حال استخدام هذا السلاح الفتّاك، خصوصاً مع عدم وفاء الدول النووية بإلتزاماتها لتحمّل المسؤولية، ويؤكّد أنّه يجب نزع الأسلحة النووية بالكامل لمصلحة البشرية والأجيال القادمة.


MISS 3