لا يكتفي مسلسل Who Is Erin Carter (من هي إيرين كارتر؟) على شبكة «نتفلكس» بالعودة إلى أسس أفلام الحركة التقليدية، بل إنه يروي أيضاً قصة إنسانية عن امرأة تسعى إلى منح ابنتها الاستقرار الذي لم تعشه يوماً.
يتعلق اللغز الأساسي في هذا المسلسل المؤلف من سبع حلقات بالسؤال الذي يطرحه العنوان. في صباح أحد الأيام، توقظ «إيرين كارتر» (إيفين أحمد) ابنتها الصغيرة «هاربر» (إينديكا واتسون) عند بزوع الفجر للحاق بمركب سينطلق من ميناء «فولكستون» في جنوب شرق إنكلترا. بعد مرور خمس سنوات، سنشاهدهما وهما تقيمان في ضواحي برشلونة الخلابة، حيث أصبحت «إيرين» معلّمة بديلة ومتزوجة من ممرّض لطيف اسمه «جوردي» (شون تيل). أصبحت «هاربر» الآن فتاة مشاكسة، فتُطرَد يوماً من المسرحية الموسيقية التي تحضّرها المدرسة لأنها ضربت أحد رفاقها في الصف. تقول لها «إيرين»: «نحن لا نحلّ مشاكلنا بالعنف». لكن تخسر هذه النصيحة أهميتها لأن الأم تقول لابنتها في وقتٍ سابق من المشهد نفسه: «يجب أن تحافظي على قبضة يد مشدودة حين تلكمين أحداً».
لن يكون اطلاع «إيرين» على فنون القتال نظرياً فحسب. سرعان ما تجد نفسها مع ابنتها وسط عملية سرقة في سوبرماركت. حين تختبئ الفتاة، تحطّم والدتها قنينة زجاجية في وجه مسلّح مقنّع، وتطعنه بأداة خَبْز، ثم تطلق النار في صدر المجرم مباشرةً بسلاحه. يقول لها هذا الأخير وهو ينزف ويلفظ أنفاسه الأخيرة: «هذه أنتِ»! حين يصل العمل البطولي الذي قامت به هذه المعلمة البسيطة إلى عناوين الصحف، لن يبقى ذلك المجرم الشخص الوحيد الذي يتعرف عليها بعدما كان جزءاً من ماضيها. فجأةً، تصبح الحياة الطبيعية التي سعت جاهدة لبنائها من أجل ابنتها معرّضة للانهيار.
يشمل المسلسل جميع العناصر اللازمة لجعله دراما مشوّقة تقليدية يسهل الإدمان عليها. تتّسم مشاهد القتال ببساطة إيجابية، وهي تستعمل مواقع التصوير في الضواحي بطريقة ذكية جداً. تقاتل «إيرين» الأعداء في صف فارغ، وفي قصر مُطلّ على الشاطئ، وفي مطبخ أنيق حيث تشكّل مقالي الطبخ المنزلية درعاً مثالياً ومرتجلاً لصدّ الرصاص. وعلى غرار الموسم القصير كله، تتميّز الحلقات الفردية بسيناريو محبوك وإيقاع مدروس. يدرك الكاتب والمنتج المنفذ وصانع العمل جاك لوثيان على ما يبدو الوقت المناسب لوقف الخِدَع والكشف عن خلفية «إيرين» الحقيقية. ورغم الجوانب القاتمة في قصتها الخفية، يحرص لوثيان على دعمها بمواقف فكاهية ناجحة. يسمح خلاف «إيرين» مع الشابة المتغطرسة في الحي، «بينيلوب» (تشارلوت فيغا)، بإضفاء طابع مرح وممتع يشبه أجواء Big Little Lies (أكاذيب كبيرة صغيرة) و Desperate Housewives (ربات بيوت يائسات).
يتخذ المسلسل أحياناً منحىً سخيفاً، لكن يصبّ هذا التوجه في مصلحته. تبدو الشخصيات عموماً مدروسة بما يكفي، وتظهر شخصية عدائية يسهل التعلّق بها بعد مرور الحلقات الأولى. لكن تحافظ الحبكة على تماسكها بفضل صُدَف تجازف بتجريد العمل من مصداقيته أحياناً. تدفعنا جميع الأحداث إلى التشكيك بهوية «إيرين»، وخلفيتها، ونواياها، وحتى اسمها الحقيقي، لدرجة أن نتساءل في مرحلة معينة: هل شعر صانعو العمل بالقلق من أن ينسى المشاهدون عنوان المسلسل؟ يسأل الجميع عن هوية «إيرين كارتر» ثلاث مرات في كل حلقة على الأقل!
تحرص إيفين أحمد على كشف جوانب جديدة من هذه الشخصية المبهرة مع تقدّم الأحداث. هي تُعتبر وجهاً مألوفاً على شبكة «نتفلكس»، فقد قدّمت أدواراً بارزة في أعمال مثل مسلسل التشويق والخيال العلمي الدنماركي The Rain (المطر) والدراما السويدية Snabba Cash. تتميز هذه الممثلة الكردية السويدية بأداء آسر حين تقدم هذه الشخصية الشريرة التي تجعلها تجاربها الواسعة خياراً مثالياً لارتكاب الجرائم، لكنها تريد في الوقت نفسه أن تساعد الأولاد المضطربين على تجنب الأفخاخ التي لا تزال تحاصرها. هي تقدّم أداءً يتماشى مع تعامل لوثيان السلس مع شخصية «إيرين» النسائية، فهو يعكس السيناريو الذي نشاهده في القصص المألوفة عن رجلٍ كان عنيفاً في السابق ثم يقرر الاستقرار والتكفير عن جرائمه. تتجنب إيفين مظاهر الشخصية العدائية التي تتسم بها الفتيات في أفلام الحركة الشائعة وتُعبّر عن مشاعر حزن عميقة وتعترف بأخطائها. من هي «إيرين كارتر»؟ هي امرأة يطاردها ماضيها وتجعلها أحلامها ومشاعر الندم التي تراودها بطلة جاذبة في قصة مألوفة لطالما طغى عليها أبطال وجواسيس خارقون.
