كمية غير متوقّعة من الأشعّة في فجر الكون

02 : 00

تكثر الظواهر الغريبة بشأن بداية الكون، لكن يبدو أن العلماء نجحوا الآن في حلّ لغز غريب منها. توهّجت الأشعّة فوق البنفسجية من المجرّات في فجر التاريخ بكمية تفوق ما كنا نتوقّعه، وقد يتعلّق السبب بوفرة النجوم فيها.

تكشف تجارب محاكاة جديدة أن كمية الأشعّة التي رصدها «تلسكوب جيمس ويب الفضائي» في فجر الكون قد تنجم عن تشكّل النجوم، من دون الحاجة إلى أي تعديلات. يعني ذلك أننا لن نحتاج للجوء إلى حلول مثل النماذج الكونية غير النموذجية لتفسير فائض الأشعّة فوق البنفسجية خلال مليارات السنين التي تلت الانفجار العظيم.

جاءت ملاحظات «تلسكوب جيمس ويب الفضائي» لتغيّر المفاهيم المسبقة حول الحقبة الأساسية التي تلت الانفجار العظيم. اكتشف التلسكوب مجرّات تفوق التوقّعات الأولية، وهي تبدو مختلفة جداً عن الشكل الذي كنّا نتصوّره.

يسطع بعضها بدرجة تفوق ما تخيّله علماء الفلك في فجر الكون. قد تعني النتائج الجديدة أن تلك المجرّات ضخمة، لكنها ليست الطريقة الوحيدة التي تسمح للمجرّات بإنتاج الأشعّة.

يقول عالِم الفيزياء الفلكية، غواتشو صن، من جامعة «نورث وسترن»: «يتعلّق العامل الأساسي بإنتاج كمية كافية من الأشعّة في نظام معيّن خلال مدة زمنية قصيرة. قد يحصل ذلك لأن النظام ضخم جداً أو لأنه قادر على إنتاج كمية كبيرة من الأشعة بسرعة. في هذه الحالة الأخيرة، لا داعي ليكون النظام ضخماً جداً. إذا كان تكوين النجوم يحصل على دفعات، يعني ذلك أنه يبثّ ومضات من الأشعّة. هذا ما يفسّر ظهور مجرّات ساطعة جداً».

لمعرفة ما إذا كانت الأشعة المنبثقة من تلك المجرات الأولى تنجم عن حجمها أو عن تشكّل النجوم، استعمل الباحثون بقيادة صن تجارب محاكاة محوسبة لنمذجة طريقة نشوء المجرات خلال فجر الكون عبر الاستعانة بالمواد والبيئة التي كانت متاحة بعد الانفجار العظيم.

تكون المجرات الأكثر نضجاً في الكون المجاور كبيرة وراسخة وساكنة عموماً، وهي تميل إلى إنتاج النجوم بوتيرة مستقرة نسبياً.

عندما أجرى الباحثون تجارب المحاكاة، اكتشفوا أن المجرات في فجر الكون قامت بعملية مختلفة. تشكّلت نجومها على مرّ دفعات قوية تخلّلتها فترات تراجع فيها تكوين النجوم طوال ملايين السنين.

تُسمّى هذه الظاهرة «تكوين النجوم المتفجّر»، وهي شائعة في المجرّات ذات الكتلة المنخفضة كتلك التي تشكّلت على الأرجح في فجر الكون. لم يتّضح السبب بعد، لكن يظن علماء الفلك أن تلك الظاهرة ترتبط بنوع من الارتجاع، حيث ينحسر تكوين النجوم بسبب تلك النجوم نفسها.

يوضح عالِم الفيزياء الفلكية، كلود أندريه فوشيه غيغار، من جامعة «نورث وسترن»: «نظنّ أن دفعة من النجوم تشكّلت قبل أن تنفجر بعد ملايين السنين على شكل مستعرات عظمى (سوبرنوفا). يخرج الغاز في هذه الحالة ثم يعود لتشكيل نجوم جديدة، فيطلق دورة تكوين النجوم. لكن عندما تصبح المجرات ضخمة بما يكفي، قد تزيد قوة جاذبيتها. وحين تنفجر المستعرات العظمى، لا تكون قوية بما يكفي لقذف الغاز من النظام. تضمن الجاذبية الحفاظ على تماسك المجرة وتوصلها إلى حالة مستقرة».

تكشف تجارب المحاكاة أيضاً أن عدد المجرات الساطعة التي رصدها العلماء في مرحلة معيّنة يتطابق مع ملاحظات «تلسكوب جيمس ويب الفضائي»، من دون أن يتطلّب الوضع أي تعديل في المعايير المستعملة. إنه واحد من أقوى الأدلّة التي تثبت أن تكوين النجوم المتفجّر، لا حجمها، هو المسؤول عن كمية الأشعّة غير المتوقّعة.

في النهاية، يقول الباحثون إن الأبحاث المستقبلية التي تأخذ ظاهرة النجوم المتفجّرة في الاعتبار قد تُسهّل طرح نموذج عن تطور أولى المجرّات ومجموعاتها.

نُشرت نتائج البحث في «رسائل مجلة الفيزياء الفلكية».


MISS 3