قراءة في كتاب

لا بأس أن تغضب من الرأسمالية

02 : 00

في كتابه «لا بأس أن تغضب من الرأسمالية»، يحث السيناتور الأميركي «بيرني ساندرز» الأميركيين على مقاومة النظام الاقتصادي والسياسي الذي رسخ حالة عدم المساواة، حيث يكسب المليارديرات والشركات الملايين في حين يكافح البسطاء لتغطية نفقاتهم. إن أي شخص مهتم بإنشاء توزيع أكثر عدلاً للثروة والنهوض بالكرامة الإنسانية ينبغي أن يقرأ هذا الكتاب الممتع، على الرغم من أن رؤية «ساندرز» لإحداث التغيير من داخل النظام السياسي الحالي قد تبدو غير واقعية.

مخطط للتغيير

والكتاب ليس مجرد رؤية نقدية للمجتمع الأميركي الحديث، ولكنه «مخطط للتغيير التقدمي والاقتصادي والسياسي».

يبدو الثلث الأول من الكتاب وكأنه مذكرات سياسية أكثر من كونه دعوة صريحة للعمل. حيث يكتب «ساندرز» بفخر عن الحركة الشعبية التي حشدتها حملاته خلف صديقه الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل هزيمة دونالد ترامب في انتخابات عام 2020.

بحلول الوقت الذي وصل فيه إلى إقرار قانون خطة الإنقاذ الأميركية، كان «ساندرز» على استعداد لطرح الموضوع الرئيسي لكتابه، وهو أن الرأسمالية معيبة وأن عدم رغبتنا في معالجة المشاكل المتأصلة في النظام يُشكل فشلًا أخلاقياً فادحاً.

خذلان كارثي

ولدعم أطروحته، يقدم «ساندرز» تفاصيل عديدة عن هذا الخذلان الكارثي، مستشهداً، من بين أمور أخرى، بحقيقة أن 500 ألف أميركي أضحوا بلا مأوى وأن 18 مليون أميركي ينفقون نصف دخولهم على السكن. إلى جانب الآثار الخانقة للقوة الاقتصادية المشتركة لـ»بلاك روك»، و»فانغارد»، و»ستيت ستريت»، وهي ثلاث شركات تسيطر على أصول تعادل الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.

وهذه الشركات من أسرع عمليات إعادة توزيع الثروة نحو الأعلى في التاريخ العالمي - على حد قوله - والتي أدت إلى إثراء مليارديرات أميركا بينما يجابه المواطنون العاديون عمليات تسريح العمال والإغلاق التي أحدثها الوباء.

الرعاية الصحية

وهنا يؤكد «ساندرز» أن المظالم الجسيمة التي سببتها الرأسمالية تتجلى بوضوح في مجال الرعاية الصحية.

ويعتقد «ساندرز» أنه من المخزي ألا يتمكن أكبر اقتصاد في العالم من إيجاد طريقة لتوسيع مظلة الرعاية الصحية الأساسية لمواطنيه. ويرى أن هناك عوامل عدة تحافظ على هذا الوضع الراهن المجحف، ولعل أحد هذه العوامل هو نظام الرعاية الصحية الأميركي القائم على أصحاب العمل، والذي ينتقده «ساندرز» بشدة. حيث يلاحظ «ساندرز» أن الرعاية التي يقدمها أصحاب العمل غالباً ما توفر تغطية غير كافية، وتكون دائماً باهظة الثمن للغاية بالنسبة لأصحاب الحد الأدنى من الأجر، ونادراً ما تكون قابلة للتحويل إلى وظيفة أخرى، مما يضطر العمال للبقاء في وظائف لا تناسبهم.

يعلق «ساندرز» على الأمر بقوله إننا أصبحنا متدينين للغاية في عبادة الجشع. نحن نتجاهل أولئك الذين يفعلون الكثير كل يوم لتحسين حياة الناس. يجب أن نغير نظام قيمنا. وهكذا يواصل «ساندرز» الدفاع عن حجته الأخلاقية حول الحاجة إلى تغيير نظام قيم السياسة الأميركية وكيفية تحقيق ذلك.

الكرامة والضمير

ويتردد في أنحاء الكتاب صدى مفهوميْـن يدعمان الفكر والاستراتيجية السياسية لـ»ساندرز» وهما: الكرامة والضمير. يناقش «ساندرز» الدرجة المتزايدة باستمرار من عدم المساواة الاقتصادية في الولايات المتحدة، وجهود أولئك الذين يكافحونها، من خلال لغة الكرامة. مؤكداً أن النظام الاقتصادي الرأسمالي المدفوع بالجشع الذي لا يمكن السيطرة عليه واحتقار الكرامة الإنسانية، ليس مجرد ظلم. بل إنه أمر غير أخلاقي على الإطلاق.

وهو يرى أن العاملين يريدون أجوراً ومزايا جيدة وظروف عمل آدمية. ولكنك تعلم أنهم يريدون المزيد. إنهم يريدون الكرامة. إنهم يريدون الاحترام. إنهم يريدون أن تُسمع أصواتهم في عملية صنع القرار.

وهو موقن من أن الرأسمالية لن تحقق أبداً الكرامة في العمل. إن جشع الشركات وتركيز الملكية والسلطة يدمر أي شيء يقف في طريق سعيها لتحقيق الأرباح. إنه يدمر البيئة ... والصحة ... والديمقراطية. ورسالة «ساندرز» قوية ومفادها كرامتنا لا تقتصر على التحرر من الطغيان الاستبدادي [الحكومي]، ولكنها تطالب أيضاً بالتحرر والحصول على الحقوق الاقتصادية الأساسية.

عندما يعمل الناس والمجتمعات معاً للنضال من أجل التمكين الاقتصادي، فإنهم يتصرفون باحترام ذاتي ومتبادل، للمحافظة على كرامتهم الفردية والجماعية.

من القاعدة إلى القمة

يرى نهج «ساندرز» أن التغيير الحقيقي في الحملات الانتخابية لا يأتي إلا من القاعدة إلى القمة، عندما يقف الآلاف، ثم مئات الآلاف، ثم الملايين معاً للمطالبة بمعاملة أفضل. أما ما يسميه «ساندرز» «السياسة الحقة» فهي سياسة يحركها الضمير والكرامة الإنسانية في جوهرها. وقد خلص إلى حقيقة مفادها أن السياسة الحقة تدرك أنه في أغنى بلد في تاريخ العالم، يجب رفض اقتصاديات التقشف التي تجور على احتياجات الأسر العاملة من أجل الحفاظ على الضرائب المنخفضة للأغنياء.

وهو يعترف بأن لدينا القدرة على بناء مجتمع بشري يمكن لجميع الناس العيش فيه بأمان وكرامة. إنه ليس تفكيراً حالماً. إنه ببساطة الرفض الواعي لنظام قائم على القمع والاستغلال. ويؤمن «ساندرز» أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال الحملات الشعبية التي تنطوي على مشاركة مباشرة مع الأشخاص الذين يتحملون وطأة القرارات التي تتخذها المؤسسة بشأن حياتهم.

الإنتقادات

ومع ذلك، لا يمكن لـ»ساندرز» الهروب من الانتقادات. حيث يدعو النخب الاقتصادية إلى معاملة الناس بكرامة من خلال نفس النظام السياسي الذي يعترف بأن تلك النخب تسيطر عليه إلى حد كبير. لذلك يجب سحب السلطة منهم لتحقيق ذلك من خلال كسر الاحتكارات وفرض الضرائب على الأرباح وتجريم السلوك الضار- على حد قوله.

وهنا يُثار سؤال هام، هل ينبغي إسقاط الحزب الديمقراطي الأميركي حتى ينهض حزب أفضل من رماده؟ وهنا ندعو أي شخص مهتم بمشروع تعزيز الكرامة الإنسانية داخل الولايات المتحدة لقراءة كتاب «ساندرز» الجديد لمحاولة الإجابة على هذا السؤال. 


MISS 3