أوز كاترجي

أوكرانيا تستعد لكارثة في 2024

28 كانون الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في حوار ضمن برنامج Special Report مع بريت باير في واشنطن | 12 كانون الأول ٢٠٢٣

أصيبت كييف بخيبة أمل حين عجزت عن اختراق خطوط الدفاع الروسية المحصّنة في المحور الجنوبي خلال الصيف، لكن تبدو الأنباء الصادرة من الجبهتَين الدبلوماسية والسياسية أكثر إثارة للقلق. تعليقاً على تقدّم الهجوم الأوكراني المضاد في بداية كانون الأول، صرّح الرئيس فولوديمير زيلينسكي لوكالة «أسوشيتد برس»: «أردنا تحقيق نتائج أسرع. لكننا لم نُحقق النتائج المرجوة للأسف. هذا هو الواقع».

حققت أوكرانيا بعض النجاحات المحدودة هذه السنة، لكن تفتقر كييف حتى الآن إلى أي مكاسب حقيقية على مستوى استرجاع الأراضي.

رغم هذه الانتكاسات، يبقى مسار الصراع في مصلحة أوكرانيا وفق بعض الخبراء العسكريين الغربيين، طالما يصمد تحالف الدول القومية الديمقراطية التي تدعم اقتصاد أوكرانيا في زمن الحرب ويستمر تدفق الأسلحة.

لكن تنذر تطورات الشتاء بأحداث أكثر سلبية بكثير. نظراً إلى حجم المخاطر المتوقعة في المرحلة المقبلة، من الضروري أن تبدأ كييف بالاستعداد اليوم لانقسام ذلك التحالف مستقبلاً.

في أوروبا، زادت الضغوط على حُزَم المساعدات المالية والعسكرية التي يستطيع الاتحاد الأوروبي تقديمها بعد انتصار حليفَين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات: روبرت فيكو في سلوفاكيا، وغيرت ويلدرز في هولندا. كذلك، يملك رئيس المجر فيكتور أوربان اليوم تأثيراً متزايداً حين يحاول تعطيل سياسة الاتحاد في أوكرانيا، بما في ذلك تعليق جولة جديدة من العقوبات ضد روسيا ومنع إقرار حزمة مساعدات مقترحة بقيمة 50 مليار يورو، مع أن الاتحاد الأوروبي نجح في تجاوز اعتراضه على بدء محادثات بشأن انتساب أوكرانيا إليه.

شَهِد فصل الشتاء أيضاً احتجاجات لسائقي الشاحنات في بولندا وسلوفاكيا، ما أدى إلى إغلاق المعابر الحدودية الأوكرانية بسبب خلاف مرتبط بمنح تراخيص من الاتحاد الأوروبي إلى شركات الشحن الأوكرانية، فتأثّر في الوقت نفسه تدفق المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا.

لكن تبدو الأنباء الصادرة من الولايات المتحدة أكثر سوءاً. في حديث مع الصحفيين في 4 كانون الأول، ذكر مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، أن الأموال التي خصصتها الحكومة لأوكرانيا صُرِفت، وحذّر من تراجع قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها إذا لم يمرر الكونغرس قوانين أخرى لتمويل البلد.

يحاول البيت الأبيض منذ فترة تمرير حزمة مساعدات بقيمة 61.4 مليار دولار لصالح أوكرانيا، تزامناً مع حزمة أخرى لإسرائيل وتايوان، لكن يعيقها الجمهوريون في الكونغرس بسبب خلاف حول سياسات إدارة بايدن الحدودية.

رغم دعم معظم الجمهوريين لزيادة المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، تباطأ إقرار مشاريع القوانين التي تهدف إلى تأمين تمويل إضافي في مجلس الشيوخ ومجلس النواب معاً، منذ أن أقالت كتلة جمهورية متطرفة وموالية لترامب في مجلس النواب كيفن مكارثي من منصب رئيس المجلس واستبدلته بمايك جونسون الذي يعارض إرسال مساعدات عسكرية أخرى إلى أوكرانيا.

عبّرت إدارة جو بايدن عن استعدادها للتنازل من أجل حل الأزمة، لكن لا يمكن التأكيد على وجهة المفاوضات المستمرة بشأن حزمة المساعدات الجديدة. يُعتبر حجم هذه المساعدات خطوة استراتيجية بحد ذاتها. تختلف الحزمة المقترحة (61.4 مليار دولار) عن جميع حُزَم المساعدات الأميركية السابقة إلى أوكرانيا (فاق مجموعها 77 مليار دولار بدءاً من آب 2023)، ما يعني أنها تعكس مقاربة جذرية وغير متكررة لتلبية حاجات أوكرانيا العسكرية خلال العام 2024 وبقية ولاية الرئيس جو بايدن.

لكن لا تقف المشاكل عند هذا الحد. فشلت الولايات المتحدة وأوروبا معاً في إنتاج كمية كافية من الذخائر المدفعية لتلبية الحاجات الأوكرانية. هذا النقص جعل كوريا الجنوبية تؤمّن تلك الذخائر بكميات تفوق جميع الدول الأوروبية مُجتمعةً في العام 2023. لكن تبقى الإمدادات الكورية محدودة، ولم يبلغ الإنتاج الأميركي والأوروبي بعد المستوى المطلوب لدعم أوكرانيا في المراحل المقبلة. إذا لم يُعالَج هذا النقص، قد تكون العواقب كارثية.

تنذر جميع المؤشرات اليوم بخوض حرب طويلة في أوكرانيا، لكن كان يُفترض أن يتوقع صانعو السياسات الغربية وخبراء الدفاع هذا السيناريو.

يسهل أن تؤجج الحرب الطويلة واحداً من أكبر التهديدات أيضاً. حتى لو نجحت إدارة بايدن في تمرير حزمة المساعدات الجديدة، فتضمن بذلك تمويل الجيش الأوكراني طوال العام 2024، لا يزال احتمال فوز دونالد ترامب بالرئاسة مجدداً خياراً وارداً. تبدو أرقام بايدن قبل أقل من سنة على موعد الانتخابات مقلقة جداً، ولا بد من أخذ فرص انتصار ترامب على محمل الجد، حتى لو كان يواجه عوائق قانونية متزايدة.

سيكون عهد ترامب الرئاسي الثاني كفيلاً بتهديد الديمقراطية الأميركية والنظام العالمي بأكمله، وقد تصبح تداعيات هذا الحدث كارثية على أوكرانيا تحديداً. يُفترض أن يقلق الجميع من رفض ترامب الالتزام بمتابعة دعم أوكرانيا، لا في كييف فحسب، بل في أنحاء أوروبا أيضاً، لأن هذه الدول كلها ستتأثر بتبدّل السياسة المعتمدة.

كانت أول حملة لعزل ترامب تتعلق بمحاولته ابتزاز أوكرانيا للبحث عن مواد يستطيع استعمالها ضد بايدن في انتخابات العام 2020، ومن المستبعد أن ينسى ترامب تلك التجربة. يتوقع الكثيرون في واشنطن أن تطغى رغبته في الانتقام من كل من وقف في طريقه على عهده الرئاسي الثاني. في هذا السياق، يقول المحلل والكاتب الأميركي مايكل ويس: «كانت أول محاولة لعزل ترامب تتعلق بأوكرانيا، وهو يعتبرها مشكلة عالقة تحتاج إلى حل... ستكون عودة ترامب إلى الرئاسة كارثة كبرى على أوكرانيا».

تبرز أيضاً مؤشرات أخرى مفادها أن روسيا تدرك هذا الوضع جيداً، وتقضي استراتيجيتها على المدى القصير والمتوسط بالصمود في أوكرانيا لفترة طويلة بما يكفي، إلى أن يقرر ترامب بعد فوزه بالرئاسة وقف المساعدات العسكرية التي تبقي الأوكرانيين في المعركة.

ذكر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو حديثاً أن الروس يتوقعون أن تستمر الحرب لما بعد العام 2025، وقد أعلن بوتين أمام المسؤولين عن حملته الدعائية الخاصة أن أوكرانيا لن تصمد لأكثر من أسبوع إذا توقفت إمدادات الأسلحة الغربية.

لا تستطيع أوكرانيا أن تُخطط لحرب قد تمتد لما بعد العام 2025 من دون الاستعداد لعهد رئاسي جديد بقيادة ترامب وما يترتب عنه من تداعيات. يجب أن تستعد الحكومة الأوكرانية إذاً لجميع الاحتمالات، بما في ذلك أن يصبح البيت الأبيض عدائياً تجاه كييف. يستحق زيلينسكي الإشادة لأنه يأخذ هذا الاحتمال بالاعتبار، حتى أنه ذهب إلى حد دعوة ترامب لزيارة كييف.

أوضح بوتين من جهته أنه يعتبر حربه مع أوكرانيا جزءاً من حرب أوسع يشنّها ضد الغرب بأكمله. يجب أن يصدّق صانعو السياسات الغربية كلامه حرفياً. يشنّ بوتين ونظامه حرباً هجينة ضد الغرب منذ سنوات، وهو يعتبر دعمه لمتطرفين أوروبيين من أمثال فيكو، وويلدرز، ومارين لوبان في فرنسا، جزءاً من تلك الحرب وطريقة لإضعاف المؤسسات الديمقراطية الليبرالية الغربية التي تعارض استبداد بوتين، مثل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

لكن ما من شخصية أهم من ترامب بالنسبة إلى أجندة الحرب العالمية التي يطبّقها بوتين. لم تتغير أهداف موسكو في أوكرانيا، إذ يتمسك نظام بوتين بأهدافه المتطرفة هناك، وهو مستعد لمتابعة هذه الحرب لفترة طويلة بهدف إخضاع كييف بالكامل. أوضح بوتين موقفه خلال مؤتمره الإخباري السنوي، وتكلم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، صراحةً عن هذا الموضوع أيضاً، ويُفترض أن تتعامل أوروبا بجدّية مع التهديد المستمر الذي تطرحه أي إدارة أميركية بقيادة ترامب على أوكرانيا. قد تضطر أوروبا مستقبلاً لتحمّل أعباء الحرب الأوكرانية من دون أن تبقى حليفتها الأميركية على رأس التحالف القائم، أو على رأس أي استراتيجية دفاعية جماعية في صلب السياسة الخارجية الأوروبية.

عند تقييم السيناريوات المحتملة للعام 2024، سنلاحظ غياب أي مسار لإرساء السلام في أوكرانيا من دون هزم روسيا. في ما يخص حقبة ما بعد العام 2025، يبدو مستقبل أوكرانيا كدولة قومية حرّة وديمقراطية، وحتى مستقبل الأمن الأوروبي ككل، على المحك.

لهذا السبب، لا تستطيع أوروبا أن تتقبّل زيادة التهديدات التي يطرحها أي عهد رئاسي بقيادة ترامب. تقضي خطوة أولية إيجابية ببدء المحادثات بشأن انتساب أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. لكن إلى أن يتمكن الاتحاد من مضاهاة مستويات روسيا الراهنة في إنتاج الذخائر أو التفوق عليها، لا مفر من أن تنقلب الظروف ضد أوكرانيا إذا استمر تخبّط القيادة الأميركية في هذه الحرب. عملياً، لا يمكن الوثوق بالقيادة الأميركية في هذا الملف أو في أي مسائل دولية مُلحّة أخرى. كي تحتفظ أوكرانيا بفرصة تحقيق النصر، يجب أن يبدأ حلفاؤها استعدادهم للكارثة المرتقبة فوراً.

MISS 3