محمد حلاوي

قراءة في تجربة العمل التعاوني (تعاونية مليخ أنموذجاً)

27 كانون الثاني 2024

02 : 00

في ظل تفاقم التحديات الهائلة التي يواجهها اللبنانيون بسبب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وتفشي سياسة الفساد والمحاصصة الطائفية والمذهبية في ما بين المتحكّمين والممسكين بزمام موارد ونفقات الدولة، يبرز مجدداً طرح الدور الهام للهيئات المدنية في التعاضد لكي يقدم كل منها في بيئته الخدمات التي قد تعوض عن النقص في خدمات إدارات الدولة ومؤسساتها ولكي تكون أيضاً محفزاً للأجيال الشابة للانخراط في العمل التطوعي وتثبيت حقوق المواطنين والمساهمة في الوقت عينه في تنمية الاقتصاد الوطني.

ووفق مقولة الكاتب وليم شكسبير: «قبل أن نستسلم للموت علينا أن نمارس الحياة»، فقد تجدّد الحنين إلى الزمن الجميل وكان من المفيد أن نستذكر التجربة الناجحة لنشاطات النادي في بلدتنا مليخ، قضاء جزين، في ستينات القرن الماضي وما حفل به من ورشات وخلايا عمل وطنية ثقافية واجتماعية بهمّة صبايا وشباب الضيعة الذين ملأوا مليخ، آنذاك، فرحاً وعطاءً متفاعلين مع شابات وشباب منطقة جبل الريحان وقضاء جزين.

وفي هذا السياق، بادر الصديق نخلي زيدان في العام 2011 بوضع مبلغ مالي بتصرفي والصديقين أحمد بو ملحم وميشال أبو زيد بغية الشروع بإنجاز مشاريع بيئية وإنمائية في البلدة لدعم المقيمين فيها بعد المعاناة من ويلات النزوح والتهجير إلى داخل الوطن وخارجه لا سيما إثر العدوان الصهيوني على لبنان العام 1982 ما استدعى القيام بمحاولة لإحياء نشاط النادي الذي ساهمنا في إنشائه.

بعد تعذّر إحياء النادي قمنا بتأليف جمعية تعاونية، وفي أيلول العام 2011 صدر العلم والخبر بإنشائها باسم «الجمعية التعاونية الإنمائية في مليخ». في البداية، انتسب إلى التعاونية ثمانية أشخاص إضافة إلينا نحن الثلاثة، ثم أعقبهم أعضاء آخرون. أثناء قيام التعاونية بمهامها وردها تبرعات متنوعة من بعض أعضائها وغيرهم، في غياب أي تقديمات من الدولة.

رغم ذلك، تمّ إنجاز بعض من المشاريع التي كنا نخطط لتحقيقها، ومنها:

- تركيب 24 سخّاناً على الطاقة البديلة ببدلات مخفّضة لـ19 أسرة و5 سخانات من دون مقابل لأسر معوزة.

- توزيع طيور دجاج مع أقفاصها وعلفها على المقيمين ببدلات رمزية.

- ساهمت التعاونية مع مجلس البلدية بـ50% من كلفة مشروع تركيب وحدات إنارة عاملة على الطاقة الشمسية في الطرقات العامة هبة باسم أحد المؤسسين الراحل د. أحمد بو ملحم.

وغيرها من المشاريع الإرشادية بغية المحافظة على البيئة النظيفة والصحة السليمة.

لكن رغم الدعوات المتكررة للانخراط في هذا العمل التطوعي، بقي التجاوب دون الحد الأدنى؛ الامر الذي استدعى التفكير والتساؤل:

- هل ان مهام التعاونية وأهدافها تفتقر إلى عنصر جذب الشباب للإنخراط بنشاطاتها؟

2 - هل انّ تربية المدارس والجامعات للأجيال الحالية اختلفت عن تربية أجيال زمن مضى؟

3 - هل انّ شباب اليوم تربّوا للاهتمام بشؤونهم الخاصة فقط بدعوى تراكم الأعباء المعيشية والاكتفاء بتأمين مستقبلهم بواسطة المنظومة الحاكمة الممسكة بمفاصل الدولة؟

4 - ماذا تغيّر في مليخ الجميلة بطبيعتها والمتفاعلة بأبنائها مع محيطها كما عرفناها وعشناها؟

5 - أما توارث هؤلاء الشباب من الأمهات والآباء حب الأرض وبركاتها؟! وأما تناهى إليهم رغبة كثيرين من خارجها ليكون لهم في مليخ منزل تحت ظلال أشجارها وسمائها؟! «أما سمعوا الأصوات القديمة وأحسّوا الأشواق القديمة» كما يقول الطيّب الصالح؟!

لكل ما سبق ذكره - ورغم أننا كنا نطمح لنعيش فرحة إنجاز مشاريع أكثر نفعاً للبلدة - اضطررنا بمرارة وأسى أن نتخذ القرار الصعب بحل التعاونية متممين كامل الواجبات ومسددين المستحقات لأصحابها، واثقين بأنّ طائر الفينيق سيطلع من تحت الرماد وتستعاد روح الروّاد الأوائل بالتضحية والعطاء.

ومهما يكن من أمر مآل تعاونية مليخ، لا بد من التشارك في المسؤولية ومراجعة هذه التجربة وغيرها من تجارب العمل التعاوني والانتقال من التساؤل إلى طرح الحلول الناجعة لحث الشابات والشباب خاصة في أريافنا اللبنانية على مراجعة تجارب الماضي والاهتمام بالشأن العام. وليكن للأهل في البيوت الدورالأساس، وللمربين في المدارس والجامعات التعليم والتثقيف والتوجيه، وللإعلام الإرشاد البنّاء مخافة ان تصبح حياة اللبنانيين وخاصة في الأرياف جسدا بلا روح.

(*) مفتش مالي سابق في التفتيش المركزي

MISS 3