أسعد بشارة

حقائق مصرية في مواجهة الطوفان

16 شباط 2024

02 : 00

إذا كان من دولة يمكن أن توضع في خانة الأوائل، ممن واجهوا أكبر التحديات إثر عملية طوفان الأقصى، فهي مصر. واجهت الدولة المصرية صباح السابع من أكتوبر، طوفاناً من نوع آخر، هو طوفان تهديد الأمن القومي المصري، من رفح حتى عمق سيناء، والعمق المصري. والمقصود بالتهديد للأمن القومي المصري، القرار الإسرائيلي غير المعلن، بتصدير أزمة غزة ومأساتها إلى سيناء، في محاولة وقحة لتجاوز اتفاقية كامب ديفيد، وكل ملاحقها، مروراً بالهدوء شبه التام، الذي ساد على الحدود المصرية مع غزة، منذ العام 1979 وإلى اليوم، الذي لم تخرقه إلا فترات قصيرة من الفوضى، استطاعت مصر استيعابها.

مصر في مواجهة الطوفان، تصبح معرضة للوقوع بين محظورين، عليها اختيار الأقل سوءاً من بينهما. فإمّا السماح بدخول مليوني فلسطيني وما يزيد إلى سيناء والعمق والمصري، وهو قرار يشبه الانتحار، لا بل يشكل ملاقاة للخطط الإسرائيلية بالترانسفير، وإما تحمل عبء قرار إحباط الترانسفير، وهذا ما اعتمدته لكن بكلفة بشرية باهظة على أهل غزة.

في الحالتين، لن تنجو مصر من لغة التخوين. إذا فتحت المعبر اتهمت بالتواطؤ، وإذا أقفلته، اتهمت بالمشاركة في تعميق الأزمة الإنسانية في غزة، لكن الاتهام الثاني مهما كان صعباً، يبقى أسلم من تحقيق حلم نتنياهو وبن غفير وشلّة اليمين الاسرائيلي المتطرف.

تخاطر إسرائيل بحدوث أزمة كبرى، في العلاقة مع الدولة العربية الكبرى، التي وقعت معها اتفاقية سلام مستدامة. الدبلوماسية المصرية لا يعلو صوتها كثيراً، لكن المعطيات تؤكد أنّ القرار المصري بات جاهزاً في حال نفّذت اسرائيل، خطة خبيثة في رفح، لدفع الفلسطينيين إلى تجاوز غزة إلى سيناء، وهذا احتمال ممكن، لأن من بالغ الصعوبة وتحت الضغط العسكري، وقف تدفق الفلسطينيين خصوصاً عند الشاطئ، ذلك مع العلم أنّ مصر دفعت بقوات عسكرية للمرة الأولى إلى الحدود، لإحباط خطة التهجير الإسرائيلية.

خرقت إسرائيل مرات عدة اتفاقية كامب ديفيد. قامت بإدخال معدات للإنذار، تعمّدت إسقاط الصواريخ الآتية من البحر الأحمر، فوق الأجواء المصرية، لكن كل ذلك تمت تسويته. أمّا الخرق الأكبر للمعاهدة، فلا يمكن أن يمر في القاهرة، التي تستعد للتخفف من كامب ديفيد، إذا ما قررت اسرائيل تجاوز الخطوط الحمر.

التخفف من المعاهدة، لا يعني حتمية الحرب، بل حتمية إعادة بحث كل شيء على الحدود من جديد، وربما إعادة البحث بالعلاقات الدبلوماسية. التخفف من المعاهدة إن حصل، سيسقط من يد نتنياهو وحكومته، ورقة تاريخية، سقوطها له ارتدادات مؤثرة داخل اسرائيل نفسها، كما في المنطقة. إنها الحقائق المصرية الجديدة في مواجهة الطوفان.

MISS 3