رواد مسلم

دول حوض البلطيق تستعدّ للحرب!

17 شباط 2024

02 : 00

الحرب في أوكرانيا أيقظت مخاوف قديمة لدى جيران روسيا (أ ف ب)

حملت مذكرات التوقيف الصادرة عن وزارة الداخلية الروسية بحق مسؤولين في بلدان منطقة حوض البلطيق الثلاثة (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، تصعيداً جديداً ينذر بتدهور أوسع للعلاقات بين روسيا من جانب والاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» من الجانب الآخر، قد تصل إلى المواجهة العسكرية. وشملت لائحة «الملاحقين جنائياً» وفقاً لمذكرات البحث، رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس الداعمة لأوكرانيا، وعدداً من المسؤولين البارزين في إستونيا ووزير الثقافة في ليتوانيا وبعض أعضاء البرلمان في لاتفيا.

تزايد المخاوف الداخلية من احتمال تعرّض بلدان حوض البلطيق لهجوم روسي إذا انتصرت موسكو في حربها على أوكرانيا، يتعلّق بالأفكار العدائية تجاه دول «الناتو» والتوسعية في شمال شرق أوروبا، خصوصاً في مناطق المدى الحيوي لروسيا، وتشمل دول حوض البلطيق والجزء الشرقي من أوكرانيا، فضلاً عن المطالبات التاريخية لموسكو في هذه الدول على غرار أوكرانيا، حيث تعيش فيها أقليات ناطقة بالروسية وميولها روسية يُمكن أن يستخدمها الكرملين لشنّ هجمات داخلية.

هذا ما دفع دول البلطيق للإستعداد دفاعياً للغزو الروسي، فقد وافق وزراء الدفاع في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا على خطّة دفاعية جديدة لبناء شبكة واسعة من التحصينات، بهدف منع وهزيمة ذلك النوع من الهجوم الروسي الذي لطالما كان يُخشى منه، حيث تعمل على تعزيز قدراتها الدفاعية وبناء التحصينات على الحدود التي تتقاسمها مع روسيا، بما في ذلك جيب كالينينغراد الروسي الحبيس بين ليتوانيا وبولندا وبحر البلطيق، فضلاً عن حدودها مع بيلاروسيا الحليفة لموسكو، فيما يبلغ طول هذه الحدود حوالى ألف كيلومتر، وهي الجناح الأكثر ضعفاً ضمن حدود حلف «الناتو» الشرقية.

تحصينات «خط دفاع البلطيق» تهدف إلى تأمين حدود الدول الثلاث لردع الكرملين عن أي تفكيرٍ بتوسيع الصراع العسكري نحوها. وستقوم ببناء منشآت دفاعية هي عبارة عن ملاجئ ومخابئ، وسيكون خطّ التحصينات، حسب صحيفة «التايمز» البريطانية، مؤلّفاً من أربع مراحل. وستنشر في المرحلة الأولى ألغام مضادّة للدروع والأفراد في بقعة محدّدة، والمرحلة الثانية تتألّف من أنظمة أسنان التنّين التي تتصدّى لتقدّم المدرّعات في حال اجتازت الألغام، وبعدها في المرحلة الثالثة تأتي الأسلاك الشائكة، ومن ثمّ الخنادق الكبيرة في المرحلة الرابعة، حيث ستقع المدرّعات والآليات التي ستجتاز المراحل الثلاث الأولى.

من الصعب جدّاً اختراق تلك التحصينات إذا ما تمّ تدميرها بالقصف الجوّي والمدفعي في المراحل التمهيدية، وهذا النوع من التحصينات كان موجوداً في الحرب في أوكرانيا التي تصدّت للدبابات الروسية. ومن المتوقّع أيضاً بناء شبكة مخابئ تبلغ مساحة المخبأ 35 متراً مربّعاً، وستكون محصّنة لتتحمّل ضربات المدفعية الثقيلة، وتتّسع لما يصل إلى 10 أفراد، ومن المقرّر أن يتم ملء مناطق التخزين فيها بالذخائر غير المتفجّرة.

وتطالب الدول الثلاث التي تعمل على تقوية الخطوط الدفاعية بالمخابئ وبأنظمة مضادة للمدرعات الروسية، بالحصول أيضاً على نظام صواريخ المدفعية عالية الحركة «هيمارس» الأميركي الصنع، مع العلم أنّ هذه المخابئ ستبنى بمواصفات عالية تُمكّنها من مقاومة الهواوين الروسية من عيار 120 ملم، وقذائف مدفعية «الهاوتزر» الروسية من عيار 152 ملم.

وللحصول على التعزيزات العسكرية، تعتمد دول البلطيق على ممرّ برّي واحد إلى بولندا هو ممرّ سوالكي. وهذا الممرّ هو امتداد من الأرض يبلغ عرضه 65 كيلومتراً بين بيلاروسيا وكالينينغراد، ولا يحتوي إلّا على طريقين سريعين ضيّقين وخط سكة حديد واحد، فإذا هدّدت القوات الروسية حرّية حركة أفراد ومعدّات «الناتو» عبرها، فإنّ التعزيزات البرّية لدول البلطيق ستكون صعبة للغاية، وإذا احتلّته روسيا فسوف يعزل دول البلطيق الثلاث عن بولندا والحلفاء الآخرين في وسط أوروبا وغربها.

لا شكّ أنّ بناء هذا الخط الدفاعي المشترك سيتطلّب وقتاً وموارد كبيرة، وسيكتمل بناء أوّل مخبأ عسكري من أصل 1000 مخبأ ضمن الخطّة الموضوعة في عام 2025. لكن فعالية خطوط الدفاع لدى جيوش حلف «الناتو» والجيوش التي تتلقى دعماً مباشراً منهم، تظهر جلية في الحرب في أوكرانيا، حيث تعجز القوات الروسية عن اختراق العوائق والاستيلاء على أراض كبيرة. وبالتالي على دول البلطيق الاستفادة من تجارب الأنظمة الدفاعية العالية الفعالية التي نجحت في أوكرانيا.

يبدو أنّ أعضاء «الجناح الشرقي» لـ»الناتو» بدأوا في التفكير بشكل أكثر جدية، ليس فقط في شأن احتمال وقوع عدوان عسكري من قبل روسيا، بل وأيضاً في شأن تفاصيل كيفية محاربته بطريقة أكثر فعالية، خصوصاً بعد وضوح تصميم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تأمين مصالح بلاده وتحقيق غاياته في شرق أوروبا، وتقوية تحالفاته العسكرية والسياسية مع الدول التي تعتبر استبدادية ومعادية للغرب.

MISS 3