بشارة شربل

"ديبلوماسية المُشاغَلة"... سرديَّة الفشل واللامسؤولية

19 شباط 2024

02 : 00

بإمكان الرئيس ميقاتي الذهاب الى «مؤتمر ميونيخ للأمن» أو الوصول الى أقاصي الأرض. لا يحتاج الى تأشيرات، ولا من يصرف له بدل بطاقة سفر أو إقامة. يلقي خطابات ويلتقي هوكشتاين وحكاماً أعلى كعباً في سائر الأقطار، لكنه لا يستطيع إقناع أصغر محاوريه بأنّه يمثّل دولة سيدة، ولا إيهام اللبنانيين بأنّ حراكه منذ اندلاع «حرب المُشاغلة» غداة «طُوفان الأقصى» يُغنيه عن موقف جريء يصبّ فعلياً في جهود منع الانزلاق الى الدمار.

لم يعد جائزاً ارتداء القفازات. وإذا كان لا فائدة من مطالبة أكثرية اللبنانيين «حزبَ الله» بوقف فوري لأجندة مُشاغلته الإقليمية والاعتراف بأنها لم تنجد أهل غزة ولا حقّقت إنجازات، بل سلّمت إيران ورقة «تبازر» بها مع الأميركيين، فإنّ خطورة ما بتنا نعيشه تلزمنا تحميل حكومة تصريف الأعمال مسؤولياتها، ووصفَ مواقف ميقاتي ووزير خارجيته عبدالله بو حبيب بأنّها تضليلية لتقطيع الوقت، جوهرُها التحاقٌ أعمى بخطاب «الحزب»، ونتيجتُها صفرٌ مضروبٌ بأصفار.

ليس مصادفة أن يهرب ميقاتي وبو حبيب للدعوة الى وقف حرب غزة كلما سئلا عن جنوب لبنان. وكأنّ الدولة بعدما سلَّمت بـ»حيطها الواطي» مستسلمةً لحرمانها قرار الحرب والسلم، صارت تتخلى طوعاً عن بقايا مقوّمات سيادتها، سواء لجهة التزاماتها إزاء القرارات الدولية، أو تجاه مواطنيها الذين لم يفوّضوا «الحزب» خوض الحرب ولا حكومة تصريف الأعمال مواكبته بـ»مُشاغلة ديبلوماسية» مزرية في المحافل الدولية.

مخطئ من يعتقد اليوم بإمكان تقليد تجربة «تفاهم نيسان» 1996 لينتظر جولات مقبلة، أو بالعودة الى توازنات حَكمت تطبيق القرار 1701 في السنوات القليلة الماضية. أولاً، لأنّ إسرائيل ما عادت تعترف به ولا بقواعد الإشتباك وتعتبر نفسها في خضمّ «حرب وجود». وثانياً، لأنّ الأمين العام لـ»حزب الله» طالبَ بوضع شروط إضافية عليه رافضاً مبدأ الانسحاب خلف الليطاني، العنصر الجوهري فيه. وهي صفعة لديبلوماسية رسمية تكرّر يومياً كالببغاء معزوفة التزام القرار الدولي وإلزام اسرائيل بمندرجاته حرفياً بلا نقصان!

لا داعي للتمنيات الطيبة والتفاؤل حين تدلّ التصريحات والمؤشرات والمعلومات إلى رغبة جنرالات إسرائيل في خوض معركة كبرى تدفع ثمنها كل البلاد بعد انتهاء معركة رفح. لذا يُفقد إصرار الحكومة على لغتها الخشبية لبنانَ كامل صدقيته، ويهبط بديبلوماسيته الى مستوى «صحّاف» عراق صدّام، ولا يدفعنا أنمُلة في اتجاه تجنّب الويلات... مسؤولية الحكومة أن تعي حجم التهديد وتطالب من أشعل الحرب بوقفها الفوري لئلا يبقى لبنان بالنسبة إلى المجتمع الدولي مداناً ببدء الأعمال الحربية، ولئلا يمنح بذلك إسرائيل رخصة مفتوحة بالقتل والتدمير.

نعلم أنّ شعبوية الخطابات والإستثمار بالتضحيات أسهل من واقعية وشجاعة «النزول عن الشجرة»، لكن ما العيب في اللجوء إلى المخرج الوحيد للمأزق الذي وُضع لبنان فيه؟ الجيش جاهز لملء الفراغ لتنفيذ الـ1701 وضمان أي ترتيبات حدودية إذا أعطي ضوءاً أخضر سياسياً، شرط أن يكون صاحب قرار وليس مجرد شاهد أو رديف.

سواء نجونا من الحرب أم انزلقنا اليها، سيثبتُ أنّ الدولة هي البديل على كل صعيد. هي طريق استعادة الحقوق التي تنتهكها إسرائيل، وهي ضمان أي استقرار داخلي. فهل من يتواضع ويعتبر بتجاربنا وتجارب الآخرين؟

MISS 3