جاد حداد

The Outfit... عالم المافيا بصورة مختلفة

27 شباط 2024

02 : 00

يقدّم الكاتب غراهام مور وشريكه في الكتابة جوناثان ماكلين أفضل ما لديهما في سيناريو فيلم The Outfit (الزيّ)، رغم الحبكة التي تتطور بوتيرة تدريجية وتعجّ بتفاصيل مفرطة أحياناً. يبدو هذا الفيلم أشبه بأحجية أو متاهة، فهو يدعو المشاهدين منذ البداية إلى المشاركة في جولة من لعبة شائكة داخل متجر ملابس صغير ومثير للاهتمام في شيكاغو ووسط عملائه الأثرياء خلال فترة الخمسينات. العقل المدبّر وراء ذلك المتجر المميز رغم صغر حجمه هو «ليونارد بيرلينغ» (مارك رايلانس الذي يبدو جامداً ومجرّداً من التعابير بقدر أدائه في فيلم Bridge of Spies (جسر الجواسيس)): إنه خياط تدرّب في شارع «سافيل رو» المعروف بمتاجر خياطة الملابس الرجالية التقليدية، وقد غادر منزله في لندن كي يتّجه إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. من الواضح أن النازيين كانوا السبب الرئيسي وراء قرار رحيله. لكن يتعلق سبب آخر بحسب قوله بالجينز الأزرق الذي لم يكن شائعاً في تلك الحقبة بقدر ما هو عليه اليوم، إذ يبدو أن ذلك الخيار كان يهدد عمله في هذا القطاع. لكن استرجع هذا الخياط البارع شغفه في ورشة عمله في «مدينة الرياح» شيكاغو رغم المأساة السرّية التي عاشها وجميع الظروف التي وقفت ضده. لا مشكلة طالما لا يناديه الناس بالخياط، مع أنه شخص يقصّ السراويل ويصلح الأزرار بكل بساطة. هو يفضّل اعتبار نفسه قاطع قماش.

ظاهرياً، قد تبدو هذه التسميات أكبر عنصر درامي في حياة «بيرلينغ» المتوقعة والرتيبة، فهو يمضي معظم أيامه داخل غرفته الخلفية المليئة بالتفاصيل المدهشة (تتّضح فيها اللمسة السحرية لمصمّمة الإنتاج جيما جاكسون التي تختار ألواناً ترابية انطلاقاً من مختلف درجات اللون البنّي). يجلس «بيرلينغ» وراء طاولة تقطيع يتعامل معها وكأنها سرير للعمليات الجراحية حين يستعمل لفائف القماش الفاخر بدقة فائقة. (في واحد من أكثر مشاهد الفيلم تأثيراً في مرحلة متقدمة من الأحداث، تُستعمل هذه الاستعارة بشكلٍ حرفي خلال لحظات مبهرة من التوتر والتشويق).

لكننا لن نحتاج إلى وقت طويل كي ندرك أن حياة هذا الحِرَفي القديم لا تقتصر على الخياطة وأنماط تقطيع القماش. لا تكف شخصيات أخرى عن المجيء إلى مكان عمله، فتستعمله كمعقل آمن للتواصل ونقل الرسائل والحُزَم بطلبٍ من مجرمين من أفراد عائلة نافذة: إنهم رجال عصابات من عائلة «بويل»، أبرزهم رب العمل المعتدل «روي» (سايمون راسل بيل)، وابنه المدلل «ريتشي» (ديلان أوبراين)، ومُخبِران تابعان لهما هما «فرانسيس» (جوني فلين) و»مونك» (آلن مهدي زاده). يفضّل «بيرلينغ» الابتعاد عن المشاكل والانشغال بعمله رغم تردّد أولئك المجرمين إلى ورشته، ويحاول طرح نفسه كشخصية أبوية لمساعدِته «مايبل» التي يعتبرها بمثابة ابنته (زوي دوتش التي تقدم أداءً مدهشاً). لكنه يوحي دوماً بأنه رجل مختلف عن ما يعترف به. في غضون ذلك، تبدو «مايبل» فتاة بريئة وماكرة ومثيرة في آن، ويبدو أنها تتمتع بشخصية معقدة وتحمل خططاً خاصة بها. هي تتوق إلى مغادرة مدينة شيكاغو وقد تتجه إلى باريس، وتبدو حريصة على تحقيق أحلامها بأي ثمن.

لكن لا تستمر السلاسة التي يتّسم بها مشهد البداية على مر الأحداث. مع تلاحق المشاهد خلال يوم واحد أو أكثر في الموقع نفسه، سنتعرّف على عائلة منافِسة، وهي عبارة عن منظمة إجرامية بارزة تُعرَف باسم «أوتفيت» ويريد أفراد عائلة «بويل» الانضمام إليها أو التجسس عليها، فيسجّلون أحاديث تُدينهم حول ظاهرة جديدة اسمها «كاسيت» ويرسلونها إلى مكتب التحقيقات الفدرالي. لكن من الطبيعي أن تتلاحق الإخفاقات حين تكثر العناصر المرتبطة بجرائم القتل، والمال، والعلاقات العاطفية.

أخيراً، يتعلق جانب ممتع من الفيلم بحرصه على إبقاء المشاهدين على أعصابهم حتى اللحظة الأخيرة. من المدهش أن نشاهد أداء غراهام الإخراجي، فهو يعرض الألغاز بدقة وإتقان. كان يمكن أن تظهر هذه القصة على شكل عرض مسرحي مبالغ فيه، لكنه يحوّلها إلى عمل سينمائي ساحر: تكثر التفاصيل التي يختار مور عرضها، وهي تفوق ما يختار إخفاءه. هو يُركّز مثلاً على الوجوه حيناً ويحجب تفاصيل المشاهد أحياناً. تبدو الأزياء المنتقاة مبهرة بالقدر نفسه، فهي مُصمّمة بدقة آسرة وتحمل توقيع صوفي أونيل ومصمّم الأزياء الشهير زاك بوزين. في النهاية، لا مفر من أن نشعر بأننا أمام عمل قيّم وساحر ورفيع المستوى. إنه نجاح حقيقي بالنسبة إلى فيلم تم إنتاجه بموارد محدودة.

MISS 3