جاد حداد

Alpha Males... كوميديا ممتعة

2 آذار 2024

02 : 00

أصبحت الذكورية السامة، والحركات النسوية، ومواضيع أخرى من هذا النوع، من أبرز العبارات الرنانة التي نسمعها في القرن الواحد والعشرين. ما معنى الرجولة والأنوثة؟ وهل يمكن الجمع بين تعريف هذين الجنسيَن؟ وهل يصبح التسامح ممكناً في مرحلة معينة أم أنه يبقى ظاهرياً؟ يتطرق المسلسل الإسباني الجديد Alpha Males (ذكور الألفا) على شبكة «نتفلكس» إلى هذه المواضيع، ويتوصل إلى استنتاج واقعي بدرجة معيّنة لكنه مثالي أكثر من اللزوم.

المسلسل من كتابة ألبيرتو ولورا كاباليرو ومن بطولة راوول تيجون، وفيلي مارتينيز، وفيرناندو جيل، وغوركا أوتكسوا، وكيرا ميرو، وماريا هيرفاس، وهو يروي قصة أربعة رجال من الجيل الماضي، ويستكشف عجز هؤلاء الأصدقاء عن إيجاد مكان لهم في المجتمع المعاصر. يتطرق العمل إلى هذا الموضوع الحزين بأسلوب فكاهي ويحاول التعمق فيه وطرح الأجوبة على أهم الأسئلة العالقة، لكن تبقى هذه المسألة بالغة التعقيد.

اليوم، تزداد صعوبة استعمال أي نوع من مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر، إنستغرام...) من دون قراءة منشورات عن سوء الرجال، حتى أن البعض يدعو أحياناً إلى زوالهم من الوجود. في الوقت نفسه، يكثر الكلام عن الحركات النسوية والنضال من أجل المساواة بين الجنسَين، لكن يسير هذا النوع من النقاشات في اتجاه واحد على ما يبدو. تعكس الشخصيات التي يقدمها المسلسل هذا الوضع على أكمل وجه. أبطال القصة الأربعة هم رجال تائهون لا يجيدون المضي قدماً في حياتهم خوفاً من التعرض للإهانة والإلغاء من المحيطين بهم.

يقدم الممثلون أداءً ممتازاً وتجمعهم كيمياء واضحة، فيسهل أن نصدّق أنهم أصدقاء على أرض الواقع. كذلك، وجد الكتّاب طريقة فاعلة لإضفاء طابع واقعي على تفاعلاتهم، فاستعملوا أسلوباً نمطياً يعكس أقوال وأفعال الرجال العاديين. هم ليسوا أشخاصاً سيئين، لكنهم ليسوا مثاليين أيضاً. لكن يصوّرهم صانعو العمل وكأن أحداً لا يحمل العيوب سواهم، لذا تبدو الحوارات المرتبطة بالمساواة فارغة المضمون بدرجة معيّنة على مر الموسم.

يرتكب كل واحد من الرجال الأربعة أخطاءً فادحة في جميع الحلقات، بينما تبقى بطلات القصة نقيات ومثاليات، فيظهرن بصورة القدوة الإيجابية طوال الوقت. يتماشى هذا الطرح طبعاً مع الخطاب الذي تحاول وسائل الإعلام نشره في الفترة الأخيرة حول مختلف الجوانب المحيطة بالتفاعلات بين الرجال والنساء. من هذه الناحية، قد يبدو المسلسل أقرب إلى أسلوب الوعظ الذي يكرر أفكاراً سمعناها مراراً في السابق. كان إظهار النساء بالشكل نفسه لينتج تفاعلات أكثر إثارة للاهتمام على الأرجح.

تخطف الممثلة كيرا ميرو الأضواء من الشخصيات النسائية الأخرى، فهي تجسّد دور امرأة مثيرة للاهتمام، مع أنها تبدو مثالية بدرجة لا يمكن تصديقها. في غضون ذلك، تقدّم راكيل غيريرو واحدة من أكثر الشخصيات النسائية المليئة بالعيوب، لكن تُعتبر عواقب أخطائها مجرّد قرارات يجب أن يحترمها الآخرون. من اللافت مثلاً أن ترتكب شخصيتها الخطأ الذي ارتكبه أحد الرجال الأربعة، لكن تبقى تداعيات الخطأ نفسه مختلفة في كل حالة.

على مستوى المؤثرات البصرية، تشبه الأنماط التي اختارها صانعو العمل عدداً كبيراً من المسلسلات التلفزيونية التي تنتجها إسبانيا. تبدو الإضاءة وأُطُر التصوير وعوامل كثيرة أخرى متطابقة مع المعايير المعتمدة في الأعمال الإسبانية عموماً. نتيجةً لذلك، يبدو المسلسل جيداً وسلساً، لكنه يفتقر إلى العوامل السينمائية المبهرة. لم يحصل المخرج على الوقت الكافي لتغيير أُطُر التصوير، أو لم يتنبه إلى أهمية هذا الجانب أو ضرورة تغيير أسلوبه لتقديم القصة بطريقة مميزة. يبدو المسلسل أقرب إلى القصص الجدّية والعابرة، إذ يكتفي الممثلون بتقديم مشاهدهم ولا يضيفون أي مزايا أخرى إلى أجواء العمل.

مع تقدّم الأحداث، يسهل أن نستنتج أن الممثلين هم الذين يحافظون على تماسك العمل على مر الموسم. يتعثر السيناريو وحده لأنه يلجأ إلى الخطوط السردية والتخبطات التي نشاهدها في أعمال كثيرة من هذا النوع، مع أن بعض المسلسلات الأخرى قد تتفوق عليه في هذا المجال. لكن تبدو طريقة التنفيذ مشابهة لكل ما شاهدناه سابقاً، مع أن الأسلوب المعتمد قد يكون أكثر سلاسة وتأثيراً على بعض المستويات. لا يطرح هذا الجانب مشكلة كبيرة رغم كل شيء، إذ يبقى المسلسل ترفيهياً بما يكفي لدفع المشاهدين إلى إنهاء الحلقات دفعةً واحدة.

في النهاية، يحمل المسلسل طابعاً تقليدياً قديماً، مع أنه يحاول التطرق إلى مسائل معاصرة جداً. تبقى الكيمياء بين الممثلين ممتازة، وتتعدد اللقطات الكفيلة بإضحاك المشاهدين على مر الحلقات. قد لا يكون هذا العمل أفضل مسلسل كوميدي على الإطلاق، لكنه جيّد بما يكفي لتمضية وقت ممتع. مع ذلك، من الأفضل ألا يأخذ أحد عناء التفكير بالمسائل المعقدة التي يحاول التعمق بها، إذ يفشل المسلسل بحد ذاته في التوصل إلى استنتاج مقنع.

MISS 3