رواد مسلم

الخطر النووي الإيراني لن ينتهي بـ"الردع الناعم"

23 آذار 2024

02 : 00

زادت إيران من تدهور قدرة الوكالة الذرية على مراقبة منشآتها النووية (أ ف ب)

لا يزال مستوى تخصيب اليورانيوم في المفاعل النووية الإيرانية يثير قلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأعضاء مجلس محافظي الوكالة المؤلّف من 35 دولة. إذا راجعنا تفاصيل آخر تقريرين للوكالة يتبيّن أنّ إجمالي مخزون طهران من اليورانيوم المخصّب وصل إلى 5525 كلغ في تقرير 10 شباط 2024 بزيادة 1038 كلغ عن تقرير تشرين الأوّل 2023، وهي بذلك تنتج أكثر من 27 ضعفاً من المستوى المرخّص به بموجب الاتفاق الدولي المبرم عام 2015 الذي ينظّم أنشطة طهران النووية مقابل رفع العقوبات الدولية، ما يمكّنها من إنتاج قنبلتين نوويتين قريباً، حسب التقرير.

تنتج إيران حاليّاً نحو 9 كلغ شهرياً من اليورانيوم المخصّب بدرجة نقاء تصل إلى 60 في المئة، وهي درجة قريبة من تلك اللازمة لصنع أسلحة نووية. وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أنّ الأمر سيستغرق إيران أقلّ من أسبوعين لتحويل مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى مواد صالحة لصنع الأسلحة النووية.

تسعى إيران إلى أن تكون الدولة العاشرة التي تمتلك أسلحة نووية من خلال إتّباعها خطوات سرية تهدف إلى تشويش أجهزة الاستخبارات الأميركية عن تحليلها معطيات مترابطة لتكوين أدلّة واضحة. فقد خفّضت طهران بشكل متعمّد تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحيث تخلّت عن تنفيذ البروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي، منذ 2021، ورفضت تسليم تسجيلات كاميرات المراقبة الخاصة بالأنشطة الحسّاسة.

زادت إيران من تدهور قدرة الوكالة على مراقبة منشآتها النووية حين سحبت تراخيص مفتشي الوكالة الدولية الذين يُباشرون أنشطة التحقق والمراقبة في أيلول 2023، كما رفضت تقديم إجابات موثوقة على أسئلة الوكالة حول الأنشطة النووية غير المُعلنة في المواقع النووية المشتبه فيها، بما في ذلك تلك التي كشفت عنها «الأرشيفات النووية» التي أخرجها عملاء إسرائيليون من الجمهورية الإسلامية في عام 2018.

كما فشل محققو الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إخطار الوكالة مسبقاً في شأن بناء منشأة نووية جديدة على عمق كبير بالقرب من نطنز التي تقع على بُعد 255 كلم جنوب غرب طهران، حيث تظهر صور الأقمار الإصطناعية أنّها تتمتّع بحماية عالية من الهجمات الجوية من خلال البطاريات المضادة للطائرات، وهي محمية بالأسوار وإنتشار واسع لـ»الحرس الثوري» الإيراني على مساحة 2.7 كيلومتر مربّع في الهضبة الوسطى القاحلة في البلاد ضدّ الهجمات الأرضية.

تمتلك إيران ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية البعيدة المدى التي يُمكن أن تصل إلى مسافة 3500 كلم (أي إلى أبعد من إسرائيل إذا أطلقت من شواطئ إيران)، وهي قادرة على حمل رؤوس نووية، كما أنّها تعمل على تطويرها بمساعدة كوريا الشمالية، بما يُمكّنها من تجنّب أنظمة الدفاع الجوّي الغربية. وطهران بانتظار تسلّم مقاتلات هجومية من روسيا من طراز «سوخوي 35» يُمكنها إطلاق صواريخ محلّية الصنع، من غير المستبعد أن تكون قادرة على حمل رؤوس نووية تكتيكية، فضلاً عن إمكانية استخدام أراضي الميليشيات الموالية لها لتوجيه ضربة نووية، إذا ما شاءت.

تصعيد الأنشطة النووية في الداخل الإيراني يتزامن مع التصعيد المتزايد للأعمال العدائية من قبل وكلاء إيران ضدّ الولايات المتحدة وحليفتها الأولى في الشرق الأوسط، إسرائيل، منذ 7 تشرين الأوّل الماضي، هو نتيجة عدم نجاح سياسة الردع بالعقوبات التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها الغربيون منذ خروج الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، كما أنّها نتيجة التحوّلات في السياسة الخارجية الأميركية بين الرؤساء الجمهوريين والديموقراطيين، وعدم اتخاذ إجراءات عسكرية مباشرة ضدّ إيران لتهذيب سياساتها العدوانية.

تتزامن المخاطر النووية المتزايدة مع تحوّل أكثر حدّة لطهران في السياسة الداخلية وقمعها الاحتجاجات بالقوّة، وتجاهلها المتزايد للتحذيرات الشفهية الأميركية والأوروبّية، واصطفافها المتزايد مع روسيا والصين، وارتفاع مبيعاتها من النفط إلى بكين، والمعدّات العسكرية إلى موسكو، لتعويض الأزمات الاقتصادية الناتجة من العقوبات، وأصبحت أكثر جرأة في تصرّفاتها ضدّ المصالح الأميركية في المنطقة.

عند الحديث عن الملف النووي الإيراني، لا يُمكن غضّ النظر عن القوّة النووية الإسرائيلية. القيادة الإسرائيلية لا تزال تعتمد على استراتيجية نووية قديمة قائمة على إضفاء الضبابية على برنامجها النووي، وعدم الاعتراف علناً بوجوده وامتلاك أي أسلحة نووية، رغم كلّ الصور والوثائق التي تُثبت عكس ذلك، لكن يُمكنها تطبيق استراتيجية «خيار شمشون» القائمة على استخدام السلاح النووي عند مواجهة إسرائيل تهديداً عسكريّاً وجوديّاً، وكردّ على مهاجمتها بسلاح دمار شامل.

تصعيد التوتّر في المنطقة بين إسرائيل وإيران يُمكن أن يصل إلى المواجهة النووية في حال بقيت أساليب الردع الأميركية والدولية «ناعمة» وغير جدّية بما فيه الكفاية. والتاريخ يُبيّن أنّ قوّة الردع الأميركية في ظلّ إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في الحرب العالمية على الإرهاب وغزو العراق في عام 2003، كانت قادرة على الحسم بدرجات عالية، إلّا أنّها ليست كذلك بالنسبة إلى الخطر النووي الإيراني، أقّله حتى اليوم.

MISS 3