جاد حداد

Shirley... أول امرأة سوداء تترشّح للرئاسة الأميركية

29 آذار 2024

02 : 00

يتطرق فيلم Shirley للمخرج جون ريدلي إلى الحملة الرئاسية التي أطلقتها «شيرلي تشيشولم» (ريجينا كينغ) في العام 1972: إنها أول امرأة سوداء يتم انتخابها في الكونغرس، وأول امرأة تترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي. على مر حملتها الرئاسية، يجسّد الفيلم شراسة تشيشولم ضد كارهي النساء الذين حاولوا إضعاف قوة إرادتها وقمع جهودها الرامية إلى طرح نفسها كرائدة في مجالها ورمز للأمل السياسي.

تبدأ الأحداث مع دخول «تشيشولم» إلى الكونغرس والتقاط صورة جماعية في مدخل مبنى الكابيتول. هي تتميّز عن الرجال البيض المحيطين بها بذقنها المرفوع وكتفَيها العاليَين. وعندما تسمع تعليقات ساخرة، تردّ عليها باحترام وعزة نفس ورقي متواصل. يؤكد صانعو العمل على قوة شخصية بطلة القصة منذ البداية.

سرعان ما تنتقل الأحداث إلى بداية السباق الرئاسي ثم يصبح هذا الحدث محور الفيلم. تجمع «شيرلي» فريقها بطريقة استراتيجية، فتختار زوجها «كونراد» (مايكل شيري)، ومستشارَيها «ويسلي ماكدونالد هولدير» (لانس ريديك) و»آرثر هاردويك جونيور» (تيرانس هاورد)، وطالب الحقوق الشاب واللامع «روبرت غوتليب» (لوكاس هيدجز) الذي يُركّز على استكشاف توجهات الشباب. يتعاون أعضاء هذا الفريق وهم يعرفون الأسباب التي تجعل «شيرلي» دخيلة على الاستحقاق الرئاسي. بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية المرتبطة بانتمائها العرقي وجنسها، هي تفتقر أيضاً إلى الخبرة السياسية مقارنةً بغيرها كونها أصبحت عضوة في الكونغرس لمرة واحدة قبل الترشّح للرئاسة.

لكن كانت «شيرلي» قريبة من الناس، ولطالما تحركت انطلاقاً من المبدأ القائل إن السياسة تنتمي إلى المواطنين. من الواضح أن الخجل لم يكن جزءاً من قوانينها، حتى أنها قدّمت نصيحة إلى «غوتليب» في مرحلة معيّنة وأخبرته بأن التواضع شكل من الغطرسة. يُعبّر صانعو العمل عن إعجابهم الشديد ببطلة القصة، لكن يبدو الفيلم أقرب إلى درس في التاريخ، فهو يُعدّد الأحداث وفق تاريخ حصولها بدل تخصيص معظم فترات الفيلم للتعريف عن تلك المرأة.

يضع الفيلم نفسه في خانة القصص السياسية المشوّقة والمؤثرة، لكنه لا يُركّز على التفاصيل بما يكفي، فيصبح أقرب إلى ملخّص تاريخي. هو يستعمل إيقاعاً رتيباً على نحو مريع، ويفتقر إلى اللحظات العاطفية المميزة ويستبدلها بعرض ملاحظات عشوائية ومواقف مفتعلة. يبدأ التعريف بشخصية «شيرلي» وينتهي بالتركيز على قوة إرادتها وعرض إنجازاتها. لن يكون هذا النهج مؤثراً أكثر من المعلومات التي يمكن إيجادها عنها في موسوعة «ويكيبيديا»، ومن المؤسف أن يتعامل صانعو العمل مع هذه البطلة الأميركية بهذا الأسلوب الفاتر والعابر.

حتى أداء الممثلين الممتاز يعجز عن إنقاذ الفيلم لأن السيناريو يعطي الأولوية للأحداث أكثر من الشخصية الرئيسية. من الواضح أن صانعي العمل لا يدركون أن الشخصيات هي التي ترفع مستوى الأفلام. تبدو شخصية «شيرلي» أشبه بأداة لسرد القصة، إذ يصبّ التركيز دوماً على عناوين الأخبار والأحداث المرتبطة بها. يُلمِح الفيلم إلى قصص أكثر عمقاً عبر شخصية شقيقة «تشيشولم» الحاقدة وزوجها الكئيب. لكن يبدو الحوار مصطنعاً على نحو مؤلم في هذه اللحظات الحميمة أيضاً. يُصِرّ السيناريو على معاملة «تشيشولم» وكأنها رمز وطني جامد، ما يحرم الفيلم من التعمّق في مختلف أبعاد القصة. يُركّز صانعو العمل على آمال «شيرلي» وطموحاتها الراسخة، لكن تبدو شخصيتها في نهاية المطاف سطحية رغم أداء ريجينا كينغ، ويتأثر الفيلم سلباً بأسلوب السخرية المتكرر والصرامة المفرطة في شخصية بطلة القصة.

أخيراً، لم تُكتَب شخصية «شيرلي» كامرأة متكاملة، لذا يصعب التعلّق بها على مر الأحداث. تقدّم ريجينا كينغ أداءً ممتازاً، فتُعبّر عن شغف فائق وشجاعة كبيرة وتُكرر كلمات تشيشولم بقوة تنبثق من أعماق روحها. لكن لا يكفي أداؤها العاطفي للتعويض عن إصرار الفيلم على الجمع بين الإنجازات التاريخية وخصائص الشخصية الرئيسية.

MISS 3