ستيفاني غصيبه

إيمي هيومز: "المرأة الوحيدة" ظاهرة عالمية وأعمل على وثائقي عن شيرلي كلارك

17 نيسان 2024

02 : 05

في آذار الماضي، شاركت المخرجة العالميّة إيمي هيومز التي رُشّحت للـ «أوسكار» سنة 1991 عن فيلمها الوثائقي القصير A Little Vicious، قصّة كتابها «المرأة الوحيدة»، ضمن ندوة من تنظيم «مهرجان بيروت للأفلام الفنية». إيمي التي تخرّجت من جامعة «هارفرد»، الحائزة على جوائز عالمية كثيرة، تعمل حالياً على وثائقي عن شيرلي كلارك، وتنتج فيلماً عن مذكرات مادلين أندرسون، أول مخرجة أفلام وثائقية سوداء اللون.

«عن كتابها «المرأة الوحيدة» الذي يجمع أكثر من مئة صورة تاريخيّة، ومشاريعها المستقبليـة تحدثت هيومز إلى «نداء الوطن».



ايمي هيومز


ما الذي دفعك لجمع كل هذه الصور الملهمة في كتاب واحد؟

أتمنّى لو كان لديّ إجابة أفضل؛ الحقيقة أنني أصبحت مهووسة بهذه الصور. في البداية، كانت صورة واحدة، ثم ذكرتني بالكثير من الصور الأخرى التي أعرفها، ولا أعلم لماذا أحب أن أنظر إلى هذه المجموعة كثيراً. لكن هذا كان جزءاً من سؤالي الأساسي قبل الانطلاق بالكتاب: لماذا أجد هذه الأمور مقنعة وملهمة؟

لقد بدأت بالفعل في الحصول على المزيد والمزيد منها عندما بدأت العمل والبحث الجدّيّ. لكن بالنسبة الي، لم تتبلور رسالة الكتاب إلّا عندما جمعت كلّ هذه الصور، التي رسمت لنا عمليّة اندماج النساء في المجتمعات والعالم.



تخطت صورك حدودها الجغرافية التي أُخذت فيها. كيف حصل ذلك؟

بصراحة، آمل أن يستمتع الآخرون بالنظر إلى هذه الصور بالطريقة التي أستمتع بها. لكنني أعتقد أن أكثر ما يثير اهتمامي حقاً هو ما وراء القصص، وكيف أن كل صورة تدعونني إلى التساؤل عن هذه اللحظة بالذات، وما كانت تفكّر المرأة فيها وتشعر وتختبر. وللتنويه إنّ النساء الواردات في الكتاب لسن جميعهن صالحات. فالكثير من النساء الـ100 كنّ بطلات في مجالاتهنّ ومنجزات عظيمات ونساء شجاعات ومثيرات للإعجاب بشكل لا يصدق، لكنّ بعضهن لسن كذلك أبداً. فظاهرة «المرأة الوحيدة» التي يوثّقها الكتاب واسعة وعالميّة، والبرهان هو حديثي معكم في لبنان الآن. فمهما اختلفت ثقافتنا، ومهما اختلفت سياقات الصور ومعانيها، إلا أنها لا تزال بشكل عام عالمية. لذلك، تجد في الكتاب نساء نازيّات أيضاً، وهذا يعني أن النظام الأبوي والذكوري لا يحدّه المكان.

في إحدى المقابلات، تصفين كتابك بـ «دراسة القوّة». ما هي خلاصة هذه الدراسة؟

هذا السؤال ممتاز. في الحقيقة، ما يعرضه الكتاب ليس أشياء لا نعرفها بالضرورة. فنتائج هذا البحث الذي أجريته قد تكون واضحة، لذا لا أريد أن أقول إنني اكتشفت شيئاً جديداً عن الحياة والمجتمع. لكن بالنسبة إلي، هذه الدراسة وهذا الكتاب يبعثان الحياة نوعاً ما، أو يعيدان صياغة الأشياء التي قد نعرفها، أو نجهلها. لذا، مرة أخرى، النظام الأبوي عالمي، وعملية اندماج النساء في عالم الرجال طويلة، بطيئة ومستمرة.

يمكن القول إن الأمر بمثابة اكتشاف للواقع الأبدي الذي نواجهه جميعاً، وأعتقد أنه من المفيد لنا كأفراد ومجتمعات أن نذكر أنفسنا بأننا ما زلنا في هذه العملية الطويلة وأن نعمل على توثيقها.

في 2024، ما زالت المرأة معرضة لأن تكون «وحيدة» بين رجال، وحتّى النساء اللواتي لا يعترفن بمفهوم العدالة بين الجنسين. فهل واجهت موقفاً كنت فيه «المرأة الوحيدة»؟

بالطبع! ولم أعطِ الأمر أهمّيّة حتى وصلت إلى هذا الكتاب وغصت فيه. أليس هذا جنوناً؟

في الواقع، والدتي كانت مثالاً حيّاً لقضيّة «المرأة الوحيدة». ذهبت للعمل في أحد البنوك الأميركيّة بعدما أنجبت خمسة أطفال، وأصبحت مصرفية مهمّة في سبعينات القرن الماضي. كانت تخبرنا قصصاً مذهلة عن عملها رغم أنها كانت المرأة الوحيدة في المصرف بهذه الرتبة.

فكّرت فيها كثيراً وأنا أجمع كلّ هذه الصور. تذكّرت أيضاً أنني واجهت هذا الموقف ملايين المرّات؛ كنت أعمل في شبكة ABC الإخبارية، كمنتجة لبرنامج مع طاقم عمل مؤلف من الرجال بالكامل. في بعض الأحيان كان الطاقم رائعاً وداعماً بشكل لا يصدق، واستمتعنا كثيراً بوقتنا. وفي البعض الآخر، كان الفريق متعباً جدّاً ولا سيما مع تحول كلّ مهمّة الى لعبة قوة وصراع على السلطة والقرار، حيث كان بعض الرجال يتجاهلونني ويفعلون أي شيء لتجنب سلطتي. لكنني لم أعير الأمر أي أهمّيّة، ربما لأنّني كنت أعتبره أمراً مفروغاً منه.

كانت مواقف العمل هذه جديدة بالنسبة الي. فلا أذكر أنّني كنت الفتاة الوحيدة في طفولتي، فنشأت مع أربع أخوات. حتّى أنني في مقدّمة الكتاب، ذكرت أنّ عندما بلغت 15 عاماً، نظّمت لنفسي حفلة عيد ميلاد كلّها شباب. لا أعرف حقاً من أين أتت لي فكرة طاولة تضمّ اثني عشر شخصاً من أصدقائي الذكور. لكنّ هذا الاختبار يعني أن مفهوم «المرأة الوحيدة» قد يكون أيضاً متعة في بعض الأحيان.




شيرلي كلارك، المرأة الوحيدة بكل فخر، 1962



ما رأيك في كتاب عن «الرجل الوحيد»، يظهره في مجالات لم نعتد على رؤيته فيها؟

راودتني هذه الفكرة أكثر من مرّة، وأعدت النظر في الصور. لكن لسوء الحظ، الصور التي تبرز الرجل وحيداً بين نساء، هي مشاهد ذكورية بامتياز، يحظى فيها الأخير بالسلطة على النساء المحيطات به. فتكون مثلاً صورة لمدير مع مساعداته، أو لطبيب مع ممرّضات يعاونّه، أو لأستاذ مع طالباته. لم تلهمني هذه المشاهد، ولم تدفعني لأتساءل عمّا يشعر هذا الرجل وحيداً بين النساء.

لكنّ سؤالك الآن زرع الفكرة مجدداً في ذهني، فلم أفكّر في الأمر منذ فترة وجيزة. قد تكون الفكرة مثيرة للاهتمام حقّاً لأنها جعلتني أتساءل حالياً عن هؤلاء الرجال. دعونا نلتقط ونجمع كل الصور التي تشغل مخيّلتنا وتجعلنا نعيد النظر في المعايير الجندريّة وتطوّرها مع التاريخ. على شرط، أن يكون، كما في كتاب «المرأة الوحيدة»، كل أنواع الرجال والنساء في مواقف مختلفة ومتعارضة أحياناً. فكما كانت المرأة في السلطة، الإمبراطورة على الرجال من حولها من جهة، وطاهية أو عارضة أزياء عارية معلّقة بقرار من حولها ونظرتهم اليها من جهة أخرى، كذلك يجب على المجموعة الجديدة أن تتضمّن علاقات قوة مختلفة. من الرائع أن نفعل الأمر نفسه مع الرجال. أفترض أنني رفضت الفكرة ولكنك أقنعتني بسرعة.

حزت جوائز كثيرة بفضل أفلامك الوثائقيّة التي تروي قصصاً مختلفة. ما سرّ رواية قصّة وتوثيقها بنجاح؟

هناك أكثر من مليون طريقة لإعداد وإخراج فيلم عظيم، وهذا ما أكرّره لطلابي دائماً. لا توجد أي قاعدة، السرّ الوحيد هو صناعة الفيلم بطريقة فريدة يختارها الشخص.

عادةً، الأفلام التي تجبرني على العيش في أحداثها، هي تلك التي تمزج ما بين الجدية القاتلة والقليل من المرح، لأنّ هذه حال الحياة بكلّ بساطة. فعلاً، إنّ صناعة فيلم وثائقي مهمّة صعبة، لأنّ الجمهور يتطلع الى أن يتمتع العمل بالجدّيّة والرصانة. ولكن هذا تشويه للحقيقة في غالبيّة الحالات. كما أنني أعتبر الأمر صعباً بسبب التمويل، وأعتقد أنّ هذه المشكلة عالميّة.







تعملين على وثائقيّ عن المرأة التي ألهمتك لهذا الكتاب، متى يبصر النور؟

صحيح، أعمل منذ فترة على تنفيذه، لكنّني توقّفت بسبب انشغالي بالكتاب والجائحة التي أنهكتنا. أمّا الآن فتمكنت من العودة إليه، وهو يدور حول امرأة رائعة تُدعى شيرلي كلارك، كانت مخرجة أفلام متطرفة في الستينات... أعتقد أنّ الذاكرة محتها نوعاً ما. كانت كلارك معروفة بأنها «المرأة الوحيدة». من الإهانة أن يتم نسيان نساء مثلها حققن ما حققته.

حتّى في صورتها بالكتاب، بدا واضحاً أنّها كانت تستمتع بكونها المرأة الوحيدة، والرجال يحيطون بها بهذه الطريقة المضحكة... كأنها شرف لهم.

MISS 3