جاد حداد

إرتكب الأخطاء واحصد المنافع

25 أيار 2022

02 : 00

كتب الروائي الإيرلندي جيمس جويس منذ مئة سنة: "الإنسان العبقري لا يخطئ، بل تكون أخطاؤه اختيارية وبوابة للاكتشاف".

يتقبّل معظم الناس المنطقيين أهمية أن نتعلم الدروس من الإخفاقات العرضية. في النهاية، يستحيل أن نحرز التقدم في أي مجال من دون التعثر، ولا يمكن تجنّب الفشل مستقبلاً من دون فهم سبب الأخطاء المرتكبة.

في المقابل، لا يؤيد الكثيرون ارتكاب الأخطاء المقصودة. لكن تكشف دراستان جديدتان ومدهشتان أن هذا النوع من الأخطاء تحديداً قد يكون أفضل طريقة لتعلّم معلومات جديدة. يبدو أن التخبّط الواعي، حتى لو كنا نحمل أفضل المعارف، قد يزيد فهمنا ويُحسّن ذاكرتنا، ما يسمح لنا بتفعيل طريقة تطبيق معارفنا لاحقاً. تُعرَف هذه الظاهرة باسم "تأثير الخطأ المتعمد" وقد تعطي المنافع في مجالات غير متوقعة من الحياة شرط تطبيقها بذكاء.

يُضاف هذا الاكتشاف إلى مجموعة صغيرة لكن متزايدة من المراجع المرتبطة باستعمال الفشل القسري لتسريع النجاح لاحقاً. في أواخر العقد الأول من القرن الواحد والعشرين مثلاً، طلب باحثون في الولايات المتحدة من المشاركين تعلّم سلسلة من الوقائع من كتاب An Anthropologist on Mars (عالِم أنثروبولوجيا على سطح المريخ) بقلم أوليفر ساكس. حصل بعض المشاركين على 10 دقائق كاملة لقراءة النص، بينما اضطر البعض الآخر لتخصيص أول دقيقتَين للمشاركة في "اختبار أولي" حول المعارف المكتسبة قبل قراءة النص.

كانت معظم أجوبتهم على الاختبار الأولي خاطئة كما هو متوقع. لكن دفعتهم الأخطاء الأولية إلى تذكّر الأجوبة الصحيحة خلال دراستهم اللاحقة، فتحسّنت المعلومات التي تذكروها في الاختبار النهائي بنسبة الثلث، مقارنةً بنتائج من لم يخضعوا للاختبار الأولي.

أرادت سارة شي هيو وونغ وستيفن وي هون ليم من جامعة سنغافورة الوطنية تطوير هذه الفكرة، فطلبا من المشاركين في إحدى التجارب ارتكاب أخطاء متعمدة مع أنهم يعرفون الجواب الصحيح. تلقى المشاركون مفاهيم تعليمية من كتاب مدرسي شائع عن علم الأعصاب، ثم نسخوا بكل بساطة التعريف الصحيح لبعض المصطلحات، لكن طُلِب منهم أن يضيفوا خطأً إلى وصف مصطلحات أخرى (مثل كتابة معنى معاكس للكلمة) قبل تصحيح الخطأ.





يبدو هذا التحسّن في الذاكرة أفضل بكثير من نتائج استراتيجيات تعليمية أخرى سبق وأثبتت فاعليتها. من المنطقي أن نفترض أن إضافة الأخطاء تزيد الارتباك غير المرغوب فيه، وهو آخر ما نريده قبل الامتحانات مثلاً. لكن حصل العكس تماماً: تعلّم المشاركون ضعف المعلومات حين ارتكبوا أخطاء متعمدة مقارنةً بمن اكتفوا بنسخ التعريفات الصحيحة.

كشفت التجارب اللاحقة أن تحسّن الذاكرة بهذه الطريقة يفوق ما يحصل عند تطبيق استراتيجيات تعليمية أخرى كانت قد أثبتت فاعليتها أيضاً. يبدو أن ارتكاب أي خطأ ينتج ذكريات قوية أكثر مما يحدث عند إيجاد مثال ملموس عن كل تعريف مثلاً. كذلك، أثبتت وونغ وليم أن الخطأ المتعمد يُحسّن نقل المعارف، ما يعني أن نجيد تطبيق ما تعلّمناه في الظروف المستجدة.

نظراً إلى هذه النتائج الواعدة، لا مفر من التساؤل عن تأثير الخطأ المتعمد في تخصصات أخرى. تعليقاً على الموضوع تقول وونغ، وهي عازفة بيانو وكمان، إنها تريد معرفة تأثير هذا العامل على دروس الموسيقى. يبدو أن إضافة أخطاء متعمدة لا تساعد الطلاب على تذكّر المقاطع الصحيحة فحسب، فقد تُعزز هذه المقاربة الممتعة أيضاً حس إبداعهم وتدفعهم إلى الارتجال وتأليف الألحان إذا كان الطالب يبحث عن طرق لمعالجة النوتات الخاطئة أو تحويلها إلى ألحان أكثر جاذبية. توضح وونغ: "من اللافت أن نكتشف أننا نستطيع تجاوز نقاط الضعف وزيادة قوتنا عبر تقبّل أخطائنا عمداً وارتكاب الأخطاء بطريقة حكيمة".

يسهل أن نتخيّل منافع الخطأ المتعمد لتجاوز تحديات أخرى كثيرة. إذا كنتَ تستمتع بالطبخ مثلاً، قد تطبّق وصفة معيّنة بحذافيرها من دون التشكيك بالتعليمات. لكن ما الذي يمنعك من التخلي عن تلك العادات وتجربة خطوة "خاطئة" لكسر الروتين؟ إلى أين سيقودك هذا الخطأ؟ وإذا كنت تحب الرسم، يمكنك أن تتساهل مع نفسك وتتخلى عن جزء من القيود التي ترافق عملك في العادة. راقب نتيجة هذا التغيير.

في أسوأ الأحوال، قد تُجدّد القواعد التي تعرفها وتتعمق بها، فيتحسّن أداؤك في المرة المقبلة. وفي أفضل الأحوال، قد تكتشف بكل بساطة معلومة جديدة وغير متوقعة، فتصبح مصدر إلهام ما كنتَ لتتعرّف عليه لو أنك أصرّيتَ على مقاربتك المثالية. في مطلق الأحوال، قد تُقرّبك زلاتك الظاهرية من أعلى درجات البراعة والإتقان.


MISS 3