ريتا ابراهيم فريد

رسالة إلى كلّ أم خسرت طفلها...

باتريسيا قسيس: الثقة بالرب تُحوّل إكليل الشوك إلى إكليل مجدٍ في السماء

21 آذار 2023

02 : 01

الطفل يوان مع والديه وشقيقته كلايا
بتسليم كلّي للمشيئة الإلهية، حملت الإعلامية باتريسيا قسيس شماس (أم يوان) الصليب، وسارت في درب الجلجلة. ضعفت وصرخت وبكت، لكنّها بإيمان كبير عادت ونظرت نحو المصلوب وقالت: لتكن مشيئتك. هي التي اختبرت الوجع الأكبر للأمّهات بعد انتقال طفلها يوان الى أحضان الآب، لكنّها أرفقت مسيرتها بالثقة التامة بالرب. واليوم في عيد الأمّ، تحدّثت باتريسيا لـ"نداء الوطن" عن الرجاء الذي حوّل الألم الى حكاية إيمان وثورة صلاة في قلوب الآلاف.

بعد انتقال يوان، إرتديتِ اللون الأبيض وتحدّثتِ عن عبورٍ وحياةٍ أبدية. كيف زهّر الرجاء في قلبك وسط كلّ هذه الأشواك؟

نحن لن ندرك مخزون الإيمان الموجود في داخلنا إلا حين يقع علينا أو على أحد أحبائنا مصاب ما. حينها، بقدر ما نمتلك من حبّ وإيمان وثقة بالرب الذي منحنا الحياة، بقدر ما نكون أقوى. بالتالي، في المرحلة التي وقعت فيها الحادثة مع يوان، لم يتجلّ أمامي سوى التسليم الكلّي لمشيئة الله. وهذه اللحظة بالتحديد من شأنها أن توجّهنا إما نحو إيمان مُطلق، أو كفر مُطلق. وأنا أقدّم شكري للرب في كلّ لحظة لأنّي كنتُ أمتلك هذا المخزون من الإيمان. والرب هو من زرع في داخلي نعمة الصبر والرجاء التي استطعنا من خلالها أنا وزوجي وابنتي استيعاب ما حصل. وأودّ أن أشير أيضاً الى أنّ يوان موجود معي في كلّ نَفَس، وأشعر بحضوره في كلّ لحظة من خلال عبارات أسمعها على ألسنة الآخرين، وأحياناً عبر تصرّفات أو رسائل تصلني بطرق غير مباشرة. هذا الأمر بدوره يمنحني الكثير من القوّة.

يوان انتقل يوم جمعة، وكان قد بقي 33 يوماً في العناية، كرمزٍ الى 33 سنة من عمر السيد المسيح على الأرض. وأقيمت قداديس على نيّته في مختلف أنحاء العالم. ماذا خلف كل هذه الرسائل؟

يوان انتشر بطريقة غير عادية. وأنا حتى اللحظة ما زلتُ أتلقّى اتصالات من أشخاص يرغبون بتقديم قداس على نيّته. وقد أخبرني أحد أقربائي الذي كان في إسبانيا، أنّه دخل الى كنيسة كي يطلب أن يكون القداس على نيّة يوان. لكن تبيّن أنّ هناك شخصاً آخر يعرفنا عن بُعد، كان قد سبقه الى ذلك وقدّم القدّاس في الكنيسة نفسها واليوم ذاته! قد يعتقد البعض أنّها تخيّلات تعود الى الحزن الكبير أو الألم الذي أشعر به. لكنّي أؤكّد على أنّ رسالة يوان كبيرة جداً. وهو بالفعل أطلق ثورة صلاة في قلوب وعقول أشخاص كانوا بعيدين عن الإيمان وعائلات كانت على وشك التفكّك، لكنّها التأمت من جديد بعد ما حصل معه. نحن دوماً نطلب الشفاء الجسدي، لكنّ الشفاءات الروحية التي تمّت أثناء رحلة يوان، أكّدت لي أنه رسالة حبّ للجميع. كما أنّ حضوره في حياة الكثيرين الذين أعرفهم أو لا أعرفهم يؤكّد لي على أنّ رسالته انتهت على الأرض كي تبدأ في السماء. وأثق أنّ الرب يحضّر لي أمراً جميلاً، وأنّ طريق قداسة يوان بدأت منذ دخوله الى المستشفى. البعض انتقدني على هذه العبارة، لكنّي أؤمن بأنّ كل طفل ينتقل الى السماء هو قديس، وقداسته تكتمل بقدر ما نصلّي على نيّته.

سلّمتِ كل شيء للرب منذ اللحظة الأولى. الى ماذا يحتاج الإنسان في هذه اللحظات كي يقول عبارة "لتكن مشيئتك" بكلّ معانيها، من دون أن يسأل عن شيء بعدها؟

يحتاج الى الإيمان والى التواضع وأن يدرك أنه مخلوق مجرّد من كل شيء إن لم يمتلك الثقة بربّه. منذ اللحظة الأولى كنتُ على يقين بأنني ضعيفة، وأنّ الرب يعلم بكل ما سيحصل. لا شكّ أني بكيتُ كثيراً، وما زلتُ أبكي. لكن إذا كانت مشيئة الرب أن ينتقل يوان الى أحضان يسوع، عليّ أن أسلّم بها، فأنا لن أستطيع تغييرها. هو الذي قال: "لا تسقط شعرة من رؤوسكم إلا بإذن مني". لذلك علينا أن نقرأ إنجيلنا بثقة وأن نلتزم بآياته.

نحن مقبلون على أسبوع الآلام. وأنت تحملين أكبر صليب يمكن أن تحمله الأم. هل مرّت لحظات عاتبتِ فيها المصلوب أم أنّ رجاءك بالقيامة كان أكبر؟

بالفعل هو الصليب الأكبر الذي يمكن أن يحمله إنسان. لكنّ الرب لا يعطينا صليباً أكبر منا ولا يحمّلنا أكبر من طاقاتنا. أنا أجزم بأنّ خسارة الأمّ لطفلها توازي خسارتها لروحها. وأنا فقدتُ نصف روحي بعد انتقال يوان، وبقي النصف الآخر الذي يتجسّد بابنتي كلايا. بكيتُ كثيراً بلا شكّ لكنّ رجائي بالقيامة كان أكبر، وثقتي بالرب مُطلقة.


الطفل يوان




كيف تصفين علاقتك بمريم العذراء أم الكون، وهي التي قاست بدورها الآلام والأوجاع؟

كنتُ دوماً أصلي للعذراء، لكن بعد ما حصل مع يوان، بتّ أدرك أكثر شدة الألم الذي قاسته. ذات مرة انهرتُ بالبكاء حين كان يوان في المستشفى، وتوجّهتُ للعذراء وقلت لها: أنا لستُ أنتِ، ولا يمكنني أن أحمل الصليب الذي حملتِه، وأنا لا أستحقّ أساساً أن أكون في هذا المكان. ثم عدتُ ونظرتُ إلى المصلوب وقلتُ له: تريدني أن أعيش الألم الذي ذاقته والدتك. لكني أثق بك... لتكن مشيئتك!

أمّهات كثيرات يتواصلن معك يومياً. ما رسالتك لكلّ أمّ خسرت طفلها وما زالت غير قادرة على استيعاب الأمر؟

بتّ أشعر بالمسؤولية تجاه هؤلاء الأمهات لأنني أعرف تماماً حجم ألمهنّ، وأدرك مدى التساؤلات التي تمرّ في أذهانهنّ. لكلّ أمّ عاشت هذا الألم أقول لها: لا شيء يمنحك الشفاء إلا ثقتك بأنّ طفلك قديس وملاك في السماء. لا شيء يخفّف عنك إلا ثقتك بيسوع وبأنّ إكليل الشوك الذي حملناه سيتحوّل الى إكليل مجدٍ في السماء.

يوان حاضر معك في كلّ لحظة، وأنتما على تواصل مستمرّ. ماذا تقولين له اليوم في عيد الأم؟

يوان عاطفيّ وحنون جداً. وكان دوماً يقول لي إنني "أحلى أمّ بالدني". اليوم أعده بأنني سأحاول أن أبقى "أحلى أم" بالنسبة له، وبأني أسعى كي يبقى فخوراً بي. وهُنا أودّ أن أشير الى أنّنا نعمل على إطلاق جمعية يوان Courage et joix، وقد بدأنا بوضع النظام الداخلي ونحن بصدد الحصول على علم وخبر. وسنحاول قدر الإمكان تقديم المساعدة لأطفال خسروا أهلهم أو العكس. بدأنا على نطاق صغير، ويوان سوف يوجّهنا بقوة ومشيئة الرب.


MISS 3