وليد سنو

بين الفدرالية واللامركزية

14 نيسان 2023

02 : 00

إنّ النهج الذي يتبعه دعاة الفدرالية في لبنان لرسم خرائطهم الخاصة للبنان الفدرالي، والتي سيتم بناؤها من خلال طرح عامل واحد هو التوزيع الطائفي لسكانه، هو نهج خاطئ. وعلى نفس المنوال، يجب على أولئك الذين ينتقدون الفدرالية ألا يقعوا في فخ تحديد الموضوع بنفس الطريقة التي يُسوَّق بها محلياً. لقد ناقشنا هذا الأمر في باريس أخيراً مع السيد هشام بوناصيف. حاولٰتُ أن أُقدِّم نهجاً مختلفاً قائماً على التنوّع الطبيعي والثقافي على أن يتم تطويره على أساس معالجة تدريجية للأولويات. يبدأ هذا بالتركيز على مؤتمر وطني للمصارحة الوطنية التي طال انتظارها وعملية المصالحة، وسيتبعها استفتاء حول الفدرالية بدلاً من مجرّد محاولة لتحقيق اللامركزية. لقد اقترحتُ تحويل الأقضية الحالية أو مجموعة من الأقضية (إذا كانت هذه رغبة مجتمعات معينة) وحدات فدرالية في ظلّ دولة اتحادية ذات مجلسين.

إنّ اللامركزية في لبنان ضرورة مطلقة. فمن الطبيعي أن تشبه الدولة الفدرالية مجتمعاتها، وتمنع الاستبداد الثقافي، وتعزّز الممارسة الديمقراطية المباشرة، وتضخّ الأوكسجين في النظام، وتحرّر القضاء من التدخّل السياسي، وتدعم مبدأ التبعية (subsidiarité) بما في ذلك التبعية الأفقية (التي تفرض تلقائياً التعاون والإجماع حول القضايا العملية التي تؤثر على مختلف المجتمعات المحلية). يجب أن تتناول العملية التي ستتم برعاية دولية أيضاً موضوع أمن الحدود، وعودة اللاجئين، وعودة السيادة بموجب حقّ حصري للجيش اللبناني في حمل السلاح. فذلك شرط مسبق للهدف النهائي للإصلاح الدستوري: الوفاق الوطني.

ستسمح العملية للأشخاص الذين يرغبون في الالتقاء والنقاش والتوصل إلى تفاهم حول قضاياهم المحلية العملية، فضلاً عن المعضلات الوطنية الأكثر جوهرية، للقيام بذلك من دون خوف أو إرهاب.

التقيت في اليوم التالي السفير السابق لدى الأمم المتحدة الاستاذ نواف سلام وسُعِدتُ بالاستماع الى دعمه لمشروع اللامركزية الذي قدّمه في عام 2014 الوزير السابق زياد بارود (الذي لم نسمع منه حول الموضوع منذ ذلك الحين). بالنسبة لي، فإنّ المبرّر الوحيد للحاجة إلى اللامركزية في السلطة التشريعية في لبنان (التي ستأخذنا إلى عالم الفدرالية) هو تجنّب حالة أخرى من الاستيلاء على غرار ما نعيشه في عهد الرئيس نبيه بري (الذي شَغل ولا يزال، منصب رئيس مجلس النواب لمدة ثلاثين عاماً) ويعاني من عواقب استبداد بجدول الأعمال والابتعاد عن الجمهورية.

كما تقول هانا أرندت بشكل وثيق: لا حرّية من دون تحرير. وبما أن سبب الوجود (raison d’être) للسياسة هو الحرّية، فلا يمكن أن تكون هناك إصلاحات سياسية من دون تحرير. وبما أنّنا لن نحرر بلدنا بالقوة فيجب أن يتم ذلك بمساعدة المجتمع الدولي. انا أشعر مثلاً أن قوة الأمم المتّحدة الموقتة في لبنانUNIFIL، وهي قوة تتم إساءة استخدامها حالياً علماً أنّها تتمتّع بالشرعية الدولية، يمكنها، إذا تم تعديل تفويضها بشكل مناسب وإعادة تخصيص ميزانيتها السنوية الضخمة نحو التنمية الإقليمية في لبنان (جنوباً، شرقاً وشمالاً)، أن تلعب دوراً مميزاً خلال نقاش وطني حول المصارحة والمصالحة والدستور. قد تشبه العملية ما أدارته الأمم المتحدة في أماكن أخرى في حالات ما بعد الحرب الأهلية. لكن لسوء الحظ، إنّ مجلس الأمن معطّل اليوم بسبب المشهد الجيوسياسي. عليناً السعي اليوم الى بلورة مسارٍ مستدام للمأزق السياسي في ظلّ الوضع الاقتصادي المؤلم، وطرح منهج عملي مقبول في الداخل قبل الخارج.


MISS 3