الضغط النفسي يجعل الدماغ متعطشاً للطعام المريح

02 : 00

تكشف دراسة جديدة أن تناول المأكولات المريحة عند الشعور بالضغط النفسي يعطّل المنطقة الدماغية التي تمنعنا من الأكل المفرط.

في الظروف العادية، تبطل هذه المنطقة مفعول المكافأة الكيماوية التي نحصل عليها أثناء الأكل، ما يجعل هذه التجربة أقل متعة. إنها ظاهرة منطقية لدى الحيوانات البرية، بما في ذلك البشر غير المعاصرين، فهي تسرّع استهلاك السعرات الحرارية رداً على التهديدات.

لكن لا تُعتبر هذه النزعة مفيدة بالقدر نفسه في عالم اليوم، إذ لم يعد الضغط النفسي على صلة بالبقاء على قيد الحياة في الوقت الراهن. قد يشعر المصابون بالضغط النفسي بأن الطعام المريح يمنحهم حلاً سريعاً ومثالياً أو يشكّل العلاج الوحيد الذي يحتاجون إليه. لكن تذكر دراسة جديدة أجراها معهد «غارفان» للأبحاث الطبية في سيدني، أستراليا، أن الناس يجب أن يفكّروا ملياً قبل تناول هذا النوع من الوجبات.

تستنتج الدراسة أن خليط الضغط النفسي والطعام المريح يعطّل الآلية الدماغية التي تجعل الناس يشعرون بالاكتفاء ويوقفون الأكل، ما يعني أن تزيد النزعة إلى التلذذ بالطعام المريح واكتساب الوزن وظهور مشكلة البدانة التي ترفع مستوى الضغط النفسي بدرجة إضافية.

تُسمّى المنطقة الدماغية المتضرّرة العِنان الجانبي، وهي موجودة لدى الفئران والبشر في آن. في الظروف العادية، تنتج هذه المنطقة شعوراً مزعجاً خفيفاً عند تبنّي حمية غنية بالدهون لفترة قصيرة، فتُعطّل استجابة المكافأة في الدماغ، ما يجعل الأكل أقل متعة. لكن تكثر المأكولات المريحة التي تكون غنية بالدهون.

استعان الباحثون بفئران مصابة بإجهاد مزمن، فاكتشفوا أن منطقة العِنان الجانبي بقيت صامتة رغم استهلاك مأكولات غنية بالدهون. تابعت الفئران الأكل، من باب المتعة على ما يبدو، من دون أن تشعر بالشبع.

عند التعمق في تحليل ما حصل، اكتشف الباحثون أن الفئران المصابة بضغط نفسي استهلكت كمية مضاعفة من الأصناف الغذائية حلوة المذاق (أو سوائل من هذا النوع) بعد إعطائها أغذية حلوة وخالية من السعرات الحرارية، مقارنةً بالفئران غير المصابة بالإجهاد، ما يثبت أن الرغبة في تناول الحلويات، حتى لو كانت خالية من السعرات، استمرّت لدى القوارض المصابة بضغط نفسي.

تأكّد هذا الاستنتاج حين أعاد الباحثون تنشيط منطقة العِنان الجانبي عبر استعمال ضوء علم البصريات الوراثي الذي يستطيع السيطرة على النشاط العصبي، فتوقفت الفئران حينها عن الأكل بشراهة. نُشرت نتائج الدراسة في مجلة «نيورون».

ما هو الطعام المريح؟

ما من تعريف موحّد للطعام المريح بشكل عام. تقول الدكتورة جانيت تومياما (لم تشارك في الدراسة الجديدة): «يفترض الناس عموماً أن الطعام المريح يشير تلقائياً إلى مأكولات غنية بالدهون والسكر والسعرات الحرارية، لكن لم يسبق أن أجرى أحد التجارب المطلوبة لإثبات ذلك».

في المقابل، توضح الدكتورة ليسلي رينيس (لم تشارك بدورها في التجربة الجديدة): «بشكل عام، يشير الطعام المريح إلى المأكولات اللذيذة التي تمنحنا شعوراً بالراحة. غالباً ما تكون هذه الأصناف غنية بالسعرات الحرارية والسكر والدهون، كما أنها تعطي أثراً عاطفياً وتؤجج مشاعر الحنين. تُسمّى هذه الأغذية أحياناً الأطعمة المستساغة، وهي تعطي شعوراً بالراحة وتحفّز الجسم على إطلاق هرمونات مريحة مثل السيروتونين. سبق وحلّلت أبحاث كثيرة الأثر النفسي للطعام المريح، وتأتي هذه الدراسة الجديدة لتضاف إليها. هي تزيد المعلومات المتعلقة بالجانب الفيزيولوجي للضغط النفسي وتأثيره على استهلاك الطعام. وعلى غرار جميع حالات المرض، يتأثر الأكل العاطفي بعوامل فيزيولوجية ونفسية في آن».

هل يمكن تطبيق نتائج الأبحاث الحيوانية على البشر؟

رداً على احتمال أن تعطي دراسة على الفئران نتائج يمكن تطبيقها على البشر، تقول تومياما: «البشر يشبهون الفئران، وتتّسم الدراسات غير البشرية بتدابير مشددة عند مراقبة المشاركين، ما يسمح بجمع معلومات قيّمة لا يمكن الحصول عليها بالطريقة نفسها مع البشر».

تعليقاً على هذه النقطة، يوضح المشرف الرئيسي على الدراسة الجديدة، تشي كين إيب، بعض نقاط التشابه بين البشر والحيوانات فيقول: «تبقى البنية التشريحية ووظيفة منطقة العِنان محفوظة لأعلى الدرجات في جميع الأجناس، بما في ذلك البشر. العِنان الجانبي منطقة لها تأثير كبير على تنظيم الاستجابة العاطفية. تطلق هذه المنطقة سلوكاً عدائياً عند تنشيطها، وهو جزء من الآليات التي تنتج الاضطراب العاطفي. لكنها تعطي أثراً معاكساً عند إسكاتها، فتطلق استجابة المكافأة. رصدت الدراسة الجديدة جزيئة مهمة بالنسبة إلى سلوك العِنان الجانبي، وهي موجودة لدى البشر أيضاً».

الطعام المريح إستراتيجية للتحكّم بالضغط النفسي؟

إذا كان تناول الطعام المريح رداً على الضغط النفسي يزيد الوزن، هل يمكن اعتباره استراتيجية شخصية منطقية؟ يظنّ الدكتور إيب أن هذا الأمر ممكن من الناحية التطورية: «قد يكون سلوك الأكل من أهم التصرّفات المستمرة لدى جميع الأجناس للبقاء على قيد الحياة. تفتقر الحيوانات التي تعيش في البرية إلى ميزة الانغماس في الأكل وتناول مصادر غذائية غنية بالدهون، وتسمح لها أنظمة الإجهاد بالصمود عبر تعديل طريقة استعمال طاقتها وإمداداتها بحسب مستوى الطلب الراهن. تقدّم الأغذية الغنية بالدهون طريقة فاعلة لاكتساب الطاقة سريعاً، ولا شك في أن زيادة الطاقة في الجسم تبقى أفضل من تراجعها في البرّية».

لكن يبدو الضغط النفسي أقل أهمية لضمان صمود البشر المعاصرين. تعليقاً على المخاوف المرتبطة باكتساب الوزن بسبب الضغط النفسي، تقول رينيس: «الانغماس في تناول الطعام المريح من وقتٍ لآخر لا يطرح مشكلة بشكل عام». لكن توضح تومياما: «نحن نعرف أن زيادة الوزن تحمل وصمة عار معيّنة في العالم المعاصر، وقد أمضيتُ عقداً من الزمن وأنا أجري الأبحاث التي تثبت أن هذا العار المرتبط بالوزن يُسبّب ضغطاً نفسياً هائلاً ويُحفّز على إطلاق استجابة الإجهاد البيولوجي». برأي رينيس، يشبه تناول كمية مفرطة من الطعام المريح رداً على الضغط النفسي شرب الكحول من وقتٍ لآخر لاسترجاع الاسترخاء. لا بأس بفعل ذلك بشكلٍ عابر أو متقطع، لكن قد تؤدي هذه النزعة إلى مشاكل بارزة إذا أصبحت مفرطة.

أخيراً، تستنتج تومياما: «لا داعي كي يكون الطعام المريح غنياً بالسكر أو الدهون أو السعرات الحرارية كي يعطي شعوراً بالاسترخاء. لقد أجرينا دراسة حيث درّبنا الناس على الشعور بالتحسن بعد تناول الفاكهة مثلاً».


MISS 3