حسان الزين

عارف حجاوي حكواتي فنان

19 آب 2023

02 : 00

عارف حجاوي

مهضوم هو عارف حجاوي.

نادراً ما يُوصف بذلك شخصٌ يتحدّث بالفصحى ويقدّم برامج تلفزيونية تُعنى باللغة العربية. لكنّ عارف حجاوي مهضوم. أكرر ذلك تأكيداً.

والحقيقة أنّه يستحق الثناء، لا لكونه من الصامدين القلّة في الدفاع عن العربية وخدمتها فحسب، بل لكونه من المصرّين على أنّها ليست لغة ميّتة أيضاً.

وهو لا يقول ذلك كداعية أو كعقائدي، بل يمارس حيويّة اللغة ويستثمر قدراتها على مواكبة العصر، بكلِّ ما فيه، والتعبير عن الحياة والمشاعر والتفكير، وكل شيء.

والأهم من هذا، أنّه يفعل ذلك بذكاء ممزوج بالطرافة والخفّة، وبسعة معرفة موسوعيّة ممزوجة بقدرة فائقة على التبسيط. وإذ يقوم حجاوي، الذي كان يوماً معلّماً للغة والأدب، بذلك لا يسطّح ما يقدّمه، إنما يُبقي لغته عالية، ومضمونه غنياً، من دون تكلّف أو تعالٍ متعجرف. وبذلك، لا يحترم ما يقدّمه بكرم فحسب، بل يمتلك قدرة على التواصل السلس والممتع والمُثري مع المشاهد أيضاً.

فعارف حجاوي بات يقف أمام الكاميرا، على تلفزيون «العربي»، بعد سنوات من الخبرة في صنع المادة الإخبارية والثقافية، في «بي بي سي» و»الجزيرة» وغيرهما. وهو لم يختزن معرفة فحسب، بل تمكّن من ملكة تقديم مادة دسمة بالسهل الممتنع. وفوق هذا، ومن كونه قارئاً ذوّاقة، وكاتباً يُنشد المتعة في الإنتاج، بات بارعاً في التقاط ما يجذب المشاهد ويغني معرفته. لكأنه يفحص ما يقدّمه بذائقته الخبيرة والمتطلِّبة في آن معاً. وبعد ذلك، يعدّه بأناقة وسخاء ليضيّفه إلى المشاهد. هكذا، يحرّر برامجه، وكتبه إلى حدّ ما، من أسوار المضمون التقليدي والممل، وينتقي ما يقدّمه من الحياة وتفاصيلها ومن الكتب والمراجع على حد سواء. وأحياناً، يلتقطه من الأمور المهملة والمنسية. كأن يُعد فقرة عن كلمة «أوكي» (OK) ومصدرها، فيروي عنها حكايات ويجول ويصول.

وأكثر من ذلك، فحجاوي الذي يكرّر دعوته إلى عدم الاستسلام لكتب وزارة المعارف التي تنفّر التلامذة والطلبة من اللغة العربية والتعليم عموماً، يقدّم مادته اللغوية والأدبية والفنية والتاريخية والعلمية... والمعرفية عموماً، بأسلوب الحكواتي. ويصرّ على أنَّ اللغة هي ما يقوله الناطقون بها يوميّاً وفي حياتهم، قبل أن تكون ما تضمّه المعاجم والقواميس. فحجاوي مطوّعٌ للغة وليس مطواعاً ومطاوعاً لها. وفي برامجه، يوسّع آفاق اللغة على الحياة وقاموسها ولا يقيّدها. وكأني به يقول إنَّ اللغة ليست قواعد وقيوداً، إنما هي أداةُ تعبير حر، عمّا نعيشه، ونفكّر فيه، ونبحث فيه، ونشعر به، ونستخدمه، ونتواصل به، وننكّت به أيضاً.

ولعل القيمة الأبرز لحجاوي، محرر الشعر العربي وناقده وكاتب السير...، هي أنه لا يفصل ما بين المتعة والمعرفة، ولا بين اللغة والحياة. إضافة إلى كونه نموذجاً للمثقف الخبير باللعبة الإعلامية الذي يُعطي ما لديه بسخاء وأناقة يدلّان على أن هذا هو فنُّ عيشه.

عارف حجاوي حكواتي المعرفة الموسوعية وفنان اللغة العربية.


MISS 3