جزء من دماغك يشبه زرّ التوقف ويُجمّد كامل جسمك

02 : 00

قد تدخل أجسامنا في حالة من الجمود الحرفي حين نكون في أعلى درجات التركيز. نتيجةً لذلك، تتجمد الأطراف، ويتوقف التنفس، ويتباطأ إيقاع القلب. في غضون ذلك، يتلاشى العالم من حولنا ويقتصر تركيزنا على المهمة التي تشغلنا. إذا كانت نتائج الدراسة الجديدة التي أجراها باحثون من جامعة «كوبنهاغن» في الدنمارك تنطبق على البشر، يعني ذلك أن مجموعة منتقاة من الخلايا في جزء من جذع الدماغ (نواة بيدونكولوبونتين) قد تكون مسؤولة عن أثر «إطار التجمّد».

هذا الاكتشاف لن يساعدنا في تحديد موقع الأنسجة التي تعزز الهدوء في العقل البشري فحسب، بل إنه يسمح أيضاً بفهم تطور أعراض أمراض التنكس العصبي، مثل الباركنسون، ما يُمهّد لتحسين العلاجات المتاحة.



تتعدد الأسباب التي تجعل الحيوانات توقف مسارها فجأةً. يعطي التجمّد المرتبط بالخوف فرصة القتال للفريسة مثلاً، ما يسمح لها بالاختباء وتجنب هجوم الحيوانات المفترسة.

يُعتبر توقّف الحركة الدفاعية الشاملة جزءاً من وظائف الجهاز العصبي التي خضعت لدراسات وافية نسبياً، حيث رصد الباحثون مسارات بين أسفل جذع الدماغ واللوزة الدماغية، أو «مركز الخوف»، والمادة الرمادية حول القناة الظهرية الجانبية في الدماغ المتوسط.

لكن تكثر الأسباب التي تدفع الحيوانات المفترسة إلى التظاهر بالجمود، فهي لا تشعر بالخوف بل تحتاج إلى التركيز. تمرّ معظم الحيوانات بلحظات تحتاج فيها إلى تجميد حركتها ونسيان العالم من حولها.

لتحديد موقع الخلايا الدماغية المسؤولة عن هذا النوع المحدد من الجمود الحركي، استعمل الباحثون فئراناً مبرمجة كي تحمل خلايا عصبية خاصة يتم تفعيلها بالضوء في نواة بيدونكولوبونتين التي تقمع حركة العضلات عند تحفيزها.

تتألف هذه العقدة الصغيرة من الخلايا العصبية في منطقة الروابط الواقعة في جذع الدماغ والمرتبطة بحالات مثل شلل النوم من ثلاث فئات مختلفة من الخلايا العصبية، وهي تشكّل طبقات مُصمّمة بطريقة مميزة.

يبدو أن تحفيز الخلايا العصبية الغلوتاماتيكية في نواة بيدونكولوبونتين لدى القوارض يبطئ حركتها ويشجعها على الاستشكاف. لكن لم تتوصل جميع الأبحاث إلى النتائج نفسها، حتى أن بعضها لاحظ أن عضلات النماذج التجريبية تتجمد بالكامل.

من خلال حصر نشاط الخلايا العصبية الغلوتاماتيكية في مناطق محددة من نواة بيدونكولوبونتين، رصد العلماء في التجربة الأخيرة مجموعات صغيرة من الخلايا العصبية التي تجعل الفئران تتوقف وتتجمد ثم تستأنف نشاطها السابق.

يقول عالِم الأعصاب هازيا غوني إيرو الذي أشرف على الدراسة الجديدة: «يُعتبر هذا النمط فريداً من نوعه. هو مختلف عن جميع الاكتشافات السابقة. هو لا يشبه أشكالاً أخرى من الحركة أو الشلل الحركي الذي حلله باحثون آخرون. في تلك الحالات، لا تبدأ الحركة بالضرورة من حيث توقفت، بل إنها قد تنشأ انطلاقاً من نمط جديد».

يحمل البشر بدورهم نواة بيدونكولوبونتين، لذا من المنطقي أن نفترض أنها تشمل مجموعة صغيرة من الخلايا العصبية التي تتولى تنسيق حركة عضلاتنا وتجعلها تتوقف، ما يمنحنا المساحة العقلية اللازمة لتذكّر مكان مفاتيحنا أو تحسين أدائنا عند لعب الغولف مثلاً.

كما يحصل في أي جزء من الأسلاك العصبية، قد تظهر دوائر قصيرة في نواة بيدونكولوبونتين. على ضوء هذا الاكتشاف، يسهل أن نفترض أن تباطؤ الحركة أو توقفها لدى المصابين بمرض الباركسنون قد ينجم عن فرط نشاط تلك الأعصاب بالذات.

في النهاية، يستنتج عالِم الأعصاب أولي كين: «ركزت هذه الدراسة في المقام الأول على الآليات الأساسية التي تتحكم بالحركة في الجهاز العصبي، وقد تسمح لنا في نهاية المطاف بفهم الأسباب الكامنة وراء جزء من الأعراض الحركية لدى مرضى الباركنسون».


MISS 3