يعرض فيلم Prime (القمة) للمخرج تابيسو كريستوفر قصة «ماريوس» (ريتشارد غاو) الذي يعيش عذاباً كبيراً بعد خسارة والده العنصري، فيختبر مشاكل متزايدة في علاقته مع حبيبته.
تبدأ الأحداث بظهور «ماريوس» وهو يتلقى خبر وفاة والده. قد يسير أي فيلم في اتجاهات متنوعة بعد حدث مماثل، فيستعمل حادثة الوفاة مثلاً كعذر لاستكشاف علاقة الأب وابنه، أو يجمع أفراد العائلة خلال الجنازة ويكشف التوتر الكامن في علاقاتهم. لكن لا يختار كريستوفر أياً من هذه الاحتمالات، بل يستعمل ذلك الخبر المأسوي لإغراق «ماريوس» في حالة حادة من الاكتئاب. يحاول الكاتب والمخرج في هذه المرحلة من الأحداث إبهار المشاهدين بصور لها طابع فني مصطنع.
لكن يفشل هذا الأسلوب المتكلف في إبهارنا في أي لحظة للأسف. يشبه هذا العمل أفلام الهواة التي تُعرَض في قاعات فنية وتوحي بأنها عصرية ومعقدة ظاهرياً. يختار صانعو العمل تعريض «ماريوس» لضغوط شديدة للتعبير عن «حالته النفسية الحقيقية» عبر عرض لحظات غامضة. تتعدد المشاهد التي يظهر فيها «ماريوس» وهو يتكلم مع شخصيات أخرى، ثم تختفي تلك الشخصيات فجأة من أمام الكاميرا. تهدف هذه الحيلة إلى طرح أسئلة من النوع التالي: هل كان «ماريوس» يتخيل كل ما حصل، أم أن عقله يكرر محادثة سابقة؟ تبقى الأجوبة على هذه الأسئلة مبهمة عمداً كي يتمكن المشاهدون من مناقشة معناها. يُحدِث كريستوفر شكلاً من الفوضى، ثم يطلب منا فهم كل شيء عبر تفسيراتنا الخاصة.
هذا الفيلم هو من النوع الذي يشمل شخصيات يمكن فهم صفاتها من اسمها. ينطبق هذا المبدأ على شخصية «نعمة» التي تسمّي نفسها «إيفا» (ياسمين حازي). تصفها موسوعة «ويكيبيديا» كشيطانة. هي اكتسبت اسمها عبر إغواء الرجال. هذا ما تفعله «إيفا» في الفيلم، فتحاول إغواء «ماريوس».
يبرر الفيلم وجودها عبر رموز دينية رنانة. في أحد المشاهد، يتلقى «ماريوس» مكالمة هاتفية من والدها أو والدتها (كلاهما ميت)، حين يكون واقفاً أمام صليب. لا يتضح معنى تلك اللحظة بدقة. وما المغزى من ظهور رجل يحاول سرقة حقيبة «إيفا»؟ هل استدعته بنفسها لنصب فخ لـ»ماريوس»، أم أنه إنسان يتجول وهو يضع قناعاً على الشاطئ بحثاً عن ضحيته؟
لا نفع من محاولة تفسير تفاصيل هذا الفيلم. قد يبدو العمل بسيطاً للوهلة الأولى، فهو يتمحور حول رجل مصاب بصدمة نفسية قوية بعد خسارة أهم شخص في حياته (حبيبته «ثامبي» (نومسا توالا)) بسبب خيانته لها. لكن ترتكز هذه القصة البسيطة على مقاربة متكلفة ومُحبِطة وغير ممتعة. ربما أراد صانعو العمل تقديم «ماريوس» كشخصية معقدة، لكنه يثير ازدراء الناس في أفضل الأحوال. هذا ما يجعل المشاهدين يؤيدون «ثامبي» حين توبّخه على أفعاله أخيراً. في أحد المشاهد القوية، يعتبره أحد زملائه «عنصرياً». هل هو كذلك فعلاً؟ لا يمكن التأكيد على هذه الصفة في شخصيته بناءً على هذا الفيلم المبهم.
يزداد الوضع سوءاً لأن معظم مشاهد الفيلم تبدو مملة لأقصى حد. لا تثير الصور المعروضة أي درجة من الفضول، بل إنها تزيد جمود المشاهدين بدل أن تجعلهم يتفاعلون مع الأحداث. في أحد المشاهد، يقول كاهن لـ»ماريوس»: «أنت تخضع لاختبار صعب يا بنيّ». لكن يبدو أن المشاهدين سيخضعون لأصعب اختبار إذا اختاروا مشاهدة هذا الفيلم. يطرح كريستوفر أحجية مغلقة تحتاج إلى حل. هو يريد من المشاهدين أن يناقشوا صوره الفارغة، لكن سينشغل الجمهور فعلياً بمنع نفسه من النوم. يخلو الفيلم إذاً من أي أثر عاطفي وتطغى عليه أعلى درجات الملل.