جاد حداد

Griselda...نسخة مبهرة من قصة عرّابة الكوكايين

1 شباط 2024

02 : 00

يروي مسلسل Griselda حكاية انتقام مستوحاة من قصة حقيقية عن ملكة المخدرات «غريزيلدا بلانكو» (صوفيا فيرغارا) ومسيرة تحوّلها إلى عرّابة «كارتل ميديلين». لكن لا تتمحور هذه القصة حول امرأة متعثرة سرعان ما يجرفها العالم السفلي، بل يتعمق صانع العمل إيريك نيومان في تفكير امرأة ذكية وشديدة الدقة أرادت أن تسترجع كل ما سُرِق منها، حتى لو عنى ذلك أن تدمّر نفسها في نهاية المطاف. يتّسم المسلسل بسرعة الإيقاع والتمثيل القوي، وهو وحشي ومبهر ومليء بالعناصر الدرامية الثقيلة.

تبدأ الأحداث في أواخر السبعينات في مدينة «ميديلين» الكولومبية. تسارع «غريزيلدا» المتوترة والمصابة إلى مدخل منزلها المرتّب، ثم تجري مكالمة هاتفية مشحونة مع صديقتها «كارمن» (بولينا دافيلا) قبل أن توضّب الحقائب وتوقظ أبناءها «أوزي» (مارتن فاجاردو)، و»أوبر» (خوسيه فيلاسكيز)، و»ديكسون» (أورلاندو بينيدا). حين تنشغل بإخراج الفتيان من المنزل، تُخبرهم وهم يحملون حقائبهم بأنها ستطلّق زوجها قبل أن ينتقلوا إلى ميامي.

تترك «غريزيلدا» وراءها مسائل عالقة كثيرة في «ميديلين» سرعان ما تعود إلى الواجهة لاحقاً. عندما تصل هي وأولادها إلى ميامي في العام 1978، تتفاعل سريعاً مع طاقة المدينة الصاخبة. رغم الأحداث المتوقعة في المسلسل، من الممتع أن يتعرّف عليها المشاهدون في منتصف حياتها. لكن تبقى هذه المرحلة مجرّد بداية للقصة الكاملة. يتّضح للجميع فوراً أن «غريزيلدا» تجيد إعادة ابتكار نفسها.

تقيم «غريزيلدا» مع أبنائها الثلاثة في منزل «كارمن» الصغير لفترة ولا يروق لها أن تعمل كموظفة استقبال في وكالة السفر التي تملكها صديقتها. لن تمنعها الوعود التي قطعتها حول الخروج من لعبة المخدرات من استئناف هذا العمل مجدداً. سرعان ما تبدأ ببيع كيلو المخدرات الذي هرّبته معها إلى ميامي. هي مُصمّمة على إعادة بناء حياتها وحياة أولادها. يعرض المسلسل الجهود الشاقة التي تبذلها لوضع خطة مناسبة لاكتساب سلطة مطلقة. هي تُغيّر تكتيكاتها حين تواجه مظاهر كره النساء، والذكورية، والعنف، والترهيب. من الممتع أن نشاهد فيرغارا وهي تتحول إلى امرأة شرسة وحيوية بعدما انشهرت بالأدوار الكوميدية خلال معظم مراحل مسيرتها التمثيلية، مع كل ما يرافق هذه الشخصية من أزياء حقبة السبعينات.

يعرض المسلسل السنوات الثلاث التي أمضتها «غريزيلدا» في جنوب فلوريدا خلال حلقات ممتدة على ست ساعات، ولا يهدر صانعو العمل أي لحظة أو حوار في معظم المشاهد. كذلك، تحمل جميع الشخصيات أو الخيارات أهمية معيّنة، وتُعرَض اللقطات بأسلوب متقن وإيقاع مثالي. يقدّم العمل قصة تحوّل «غريزيلدا» إلى منقذة للمظلومين بحذر. بحلول الحلقة الخمسة التي تحمل عنوان Paradise Lost (الفردوس المفقود) وتنتقل إلى العام 1981، سيتّضح لنا أن حياتها كانت ملطّخة بالدم ومليئة بملاحقات الشرطة وحالات رهاب قوية. هذه العوامل كلها حوّلتها إلى امرأة مختلفة بالكامل. سرعان ما تقصّ شعرها وتتدهور بشرتها وتصبح أسنانها صفراء، فتبدو أشبه بوحش مدمن على المخدرات في قصر فاخر. تشمل هذه الحلقة الصاخبة حبكات مألوفة في المسلسلات اللاتينية الطويلة وقد ينزعج البعض من مشاهدتها، لكن تكشف تفاصيل القصة الفوضوية بأي سرعة يشوّه النفوذ والجشع روح الإنسان.

يبرع جميع الممثلين، بما في ذلك صوفيا فيرغارا، في تجسيد معنى الطموح والانتقام. لكن يبقى مارتن رودريغز بدور «خورخيه ريفي أيالا ريفيرا»، الذي يملك نفوذاً هائلاً في ميامي، من أكثر الشخصيات إبهاراً مقارنةً بالعقول الإجرامية التي تقدّمها الأعمال التلفزيونية في الفترة الأخيرة. هو يتمتع بحضور جامح وعدائي ومزعج، ويسهل عليه أن يخطف الأضواء من الجميع في مشاهده. يعوّض الأداء التمثيلي المتقن وأجواء القصة العامة عن بعض العناصر الشائبة في المسلسل، بما في ذلك حركة اليد التي تقوم بها «غريزيلدا» حين تحمل سيجارة على مر الحلقات. يُفترض أن تثبت هذه الحركة أن عقلها يُوجّه خططها، لكنها تبدو مصطنعة أكثر من اللزوم. كذلك، لا يتماشى مشهد غريب وبطيء في الحلقة الثانية، Rich White People (أثرياء بيض)، مع أجواء المسلسل ككل.

في مطلق الأحوال، يقدّم المسلسل محتوىً رفيع المستوى رغم عيوبه العابرة، فهو يروي قصة امرأة تحوّلت إلى شخصية مفترسة بعدما كانت فريسة للآخرين لفترة طويلة. قد لا تحمل هذه القصة رسالة مُلهِمة، لكنها تؤكد على أهمية أن يسيطر كل فرد على مسار حياته بنفسه. يجب أن نعترف جميعاً بأن جزءاً من الأمور التي نفعلها يهدف إلى ضمان صمودنا، لكن يتعلق الجزء الآخر بإشباع غرورنا

MISS 3