جاد حداد

Adire... خليط من الدراما والحب والضحك

17 كانون الثاني 2024

02 : 02

يتمحور فيلم Adire للمخرج أديلووا أوو حول «أدير» (كيهيندي بانكول)، عاهرة متقاعدة تحاول الهرب من قوادها المعروف بلقب «الكابتن» (يمي بلاك). هي تريد أن تعرف أخيراً معنى الحرية بالنسبة إليها، فتصل إلى منطقة ريفية محافِظة وتجد صعوبة في الاستقرار فيها. هي تشتبك طوال الوقت مع «الشمّاسة» (فونلولا أيوفيبي) التي ترى الحياة دوماً من منظور الدين ولا تتسامح مع أخطاء البشر. في هذا المجتمع، تجد «أدير» الحب والصداقة، ويبدو أنها تريد الاحتفاظ بهذه العلاقات الصادقة. لكنها تضطر الآن لاكتشاف معنى الحياة في مجتمع من هذا النوع تزامناً مع التعبير عن أنوثتها الفائقة. هي تقدّم مساهماتها إلى هذا المجتمع عبر تصنيع ملابس داخلية مصبوغة لنساء البلدة. وكما هو متوقع، تكثر التعقيدات التي تواجهها «أدير» من مختلف الاتجاهات حين يعود الماضي لمطاردتها ويتحدى السلام الذي وجدته هناك.

تبذل كيهيندي بانكول قصارى جهدها لإضفاء طبقات عميقة على الشخصية المُركّبة التي تقدمها. هي تنجح في التعبير عن هذا الجانب في معظم مراحل القصة. لكن تبقى الممثلة المخضرمة فونلولا أيوفيبي نجمة العمل بلا منازع، فهي تضفي جوانب صاخبة ومؤثرة على شخصيتها والمشاهد التي تشارك فيها. تبرع أيوفيبي في تقديم اللحظات التي تنهار فيها وتحتاج إلى إظهار ضعفها. كذلك، يسطع نجم الممثل فيمي برانش، إلى جانب شخصيتَين ثانويتَين لافتَتين (إيفون جيغيدي وتومي أوجو). لكن يفتقر الأداء التمثيلي العام إلى التميّز، إذ يقدّم البعض أداءً تهريجياً، ما يؤدي إلى تراجع مستوى العمل أحياناً. يقدّم الممثلون المخضرمون ما هو منتظر منهم، بينما يتراوح أداء الممثلين الآخرين بين المقبول، والمتراخي، والسيئ.

يجسّد الممثل جاكينيث أوبوكيمي، الذي كتب السيناريو أيضاً، الشخصية الثانوية القوية «توندي». خلال النصف الأول من السيناريو، يبدو «توندي» هادئاً وجامداً، لكن يتصاعد زخم الأحداث بحلول منتصف الفيلم وتتضح أهمية دوره في القصة. يثبت نجاح شخصية «توندي» قدرة جاكينيث على التمثيل بهدوء تزامناً مع استعمال تعابير مختلفة في كل موقف. لكن يكشف نجاح شخصيته أيضاً نقاط ضعف السيناريو. إذا نجح «توندي» خلال فترة بسيطة، ما الداعي لإطالة مدة العرض لهذه الدرجة؟

من ناحية أخرى، يحترم الفيلم بنية القصة وتطور الشخصيات. يعرف صانعو العمل وجهة كل شخصية وتوقيت عرض الأحداث. إنه جانب إيجابي في الأسلوب السردي. يفتقر عدد كبير من الأفلام النيجيرية إلى هذا العامل. تتّسم المشاهد أحياناً بتبادل حوارات مدهشة، لا سيما مع فونلولا أيوبي وفيمي برانش الذي يقدم دور رئيس الرعية معسول اللسان الذي يختلف كثيراً عن زوجته الفظة. لكن كان من الأفضل أن تخلو اللحظات الفكاهية من التهريج.

على صعيد آخر، يتخبط الفيلم بسبب إيقاعه البطيء. تبدو فصول القصة الثلاثة مبالغاً فيها، لكن يبقى الفصل الأول طويلاً بدرجة غير مبررة. قد تكون النهاية مُرضِية لكنها تترك المشاهدين أمام مجموعة من الأسئلة العالقة. تظهر جثة محروقة في شقة «أدير» مثلاً، وقد يعود «تيغا» (إبراهيم شاتا)، تاجر المخدرات العنيف والقوي بما يكفي لإخافة قواد «أدير»، وهو يحمل أسئلة لها بشأن بضاعته. لكن يحلّ الفيلم المشاكل بطريقة مبسّطة أكثر من اللزوم. كان تجنّب عودة «الكابتن» (يمي بلاك) إلى المنطقة لينتج حلاً أكثر تماسكاً وأقل شَبَهاً بأجواء الكوميديا الرومانسية الخفيفة.

حين يصل «الكابتن» إلى البلدة، تضطر «أدير» لإيجاد طريقة لإقناعه بالرحيل تزامناً مع الحفاظ على حياتها الجديدة هناك. لكنها لا تثبت قدرتها على تحقيق هذا الهدف رغم ذكائها وصفاتها القوية. من الواضح أنها كسبت مجموعة من الأصدقاء الأوفياء، لكنها لا تطلب مساعدتهم أو مساعدة مجتمعها الجديد.

في نهاية أي فيلم من هذا النوع، من المنطقي أن نتوقع من «أدير» أن تتخذ قراراً أخلاقياً واضحاً: إما أن تختار هذه الحياة الجديدة بالكامل، وإما أن تتخلى عنها. لكن يبدو أن الظروف هي التي تتخذ عنها القرار في هذه القصة. هي كانت توضّب حقائبها استعداداً للهرب، ما يعني أنها لم تختر هذه الحياة من تلقاء نفسها. يطرح هذا الجانب مشكلة حقيقية. تثبت هذه الشخصية أنها تفضّل حياتها الجديدة، لكن حين تضطر للاختيار بين حصر حياتها في إطار معايير هذا المجتمع الريفي الذي وجدت فيه السلام والصداقات الحقيقية أو تركه وراءها والهرب إلى مكان آخر، هي تختار الرحيل. حتى أنها لا تقرر الهرب لحماية أعضاء ذلك المجتمع. ما هي الحياة التي تناسب «أدير» إذاً لدرجة أن تضحّي بحياتها من أجلها؟ لن نعرف الإجابة على هذا السؤال.

أخيراً، يبدو الرجل الذي تقع في حبه، «توماس» (إيفياني كالو)، شخصاً جامداً. هو يتقبّل «أدير» رغم الظروف المشبوهة المحيطة بها. كان الفيلم يحتاج إلى مشهد لحل الصراع بينهما في الفصل الأخير من القصة بدل التلميح إلى تصالحهما بكل بساطة. من ناحية أخرى، تبرز حبكتان ممتازتان لشخصيتَي «فولاشيد» و»توندي» الثانويتَين. ربما تكمن غرابة الفيلم في هذا الجانب بالذات، إذ تتعدد أفكاره الواعدة لكنه لا يستفيد منها في نهاية المطاف.

بعيداً عن شوائب العمل، يقدّم الفيلم خليطاً ناجحاً من الدراما والكوميديا. إنها قصة ممتعة عن عاهرة سابقة تجد الحب الحقيقي والمجتمع الذي يناسبها رغم جميع الصعاب. لكن على غرار معظم الأفلام النيجيرية الجيدة في الفترة الأخيرة، تكمن مشكلة هذا الفيلم في قدرته على تقديم مستوىً أفضل مما هو عليه.

MISS 3