عماد موسى

طبيب الأسنان المشهور

29 كانون الثاني 2024

02 : 00

وصلتُ وابنتي قبل الموعد بعشر دقائق. على مدخل العيادة رجال وسيدات وأولاد قاعدون على الدرج. عددهم أكثر من عشرة وأقل من عشرين، وبيد كل منهم موبايل. ظننتُ أنني أخطأت بالطابق وأنني أمام مركز مستحدث للمعاملات العقارية أو على مدخل مستوصف مجاني وإلا ما سبب العجقة. ولجت إلى صالون الإنتظار. لا مقعد شاغر. قلتُ لا شك أن أمراً طارئاً حصل مع الطبيب الذائع الصيت.»عجقة» تشغل البال. من فتحة باب لمحت الطبيب منكبّاً على فم.

سألتني سيدة والتوتر باد على وجهها متى موعد ابنتك؟ أجبت بالفرنسية» à 12 heure pile»، ربما لإيهامها أنني مواطن لبناني أمضى سحابة عمره في أوروبا واعتاد دقة المواعيد. أقول ربما. علقت «رح تنطر كتير».

كم أكره الإنتظار. طبيب الأسنان ليس جرّاح توليد كي يُفاجأ بحالات طلق متسارعة، فيضطر لإجراء ولادة مستعجلة بين موعد وموعد. قبل أعوام أصبت بكحة حادة استمرت أسبوعاً. لم تنفع معها أدوية وصفتها لنفسي. اُخبِرتُ عن طبيب بارع قاهر السعال، طلبت موعداً. حدّدت لي سكرتيرته موعد معاينتي غير الميكانيكية في الثالثة بعد الظهر. أبكرت في الحضور كي يتسنّى للطبيب سماع مستويات من السعال لم يعهدها قبلاً، وإذ بي أجد أن هناك نحو 15 مريضاً سبقوني. أدخلت الأول. خرج الأول أشارت إلى التالي. لفتُّ عنايتها إلى أنّ موعدي في الثالثة. إبتسمت. جميع الموجودين موعدهم في الثالثة وأفهمتني بما معناه أن الثالثة تعني فوج بعد الظهر والتاسعة صباحاً تعني فوج قبل الظهر.

افهمتها بطريقة ديبلوماسية إن لم أكن التالي سيسمع الطبيب صوتاً أوبراليا طالعاً من الصالون مصحوباً بسباب من العيار الثقيل. فكان لي ما أردت.

أعود إلى طبيب الأسنان (تقويم وتحسين الإبتسامة) الذي يوزّع وقته بين لبنان وباريس. في العيادات الفرنسية لا يحصل مثلما يحصل عندنا، إن تأخّر المريض أكثر من 5 دقائق يُلغى موعده. سبق أن أخبرني ذلك في موعد سابق ولم يخبرني ما إذا اضطر الـ «Patient» إلى الانتظار أكثر من ساعة بعد انقضاء موعده.

لم أتأخر يوماً على موعد أي من أولادي طوال 13 عاماً مع طبيبنا اللامع. ولم أدخل يوماً في الساعة والدقيقة المحددتين. قبل شهرين تخليت قليلاً عن تهذيبي وسألته: هل وقت الطبيب أثمن من وقت الآخرين؟ «أبداً، أنا أقدر وقت الجميع» محمّلاً مسؤولية التأخير لغير الملتزمين بالمواعيد. جواب غير مقنع.


نهار السبت في الثانية عشرة إلا عشر دقائق كنت «سنكي طق» أمام باب العيادة. في الواحدة والدقيقة السادسة عشرة نادت مساعدة الطبيب على ابنتي وعليّ للدخول. ترحيب حار من «الدكتور» ومعايدة مع مفعول رجعي وسؤال عن أحوال العيلة من دون أي اعتذار أو شبه اعتذار عن إهدار وقتي. في الواقع لم أهدر وقتي إذ كتبت هذا المقال على شاشة الموبايل وأنا قاعد على درج البناية... في جونيه.

MISS 3