جوزيف حبيب

"الديموقراطية" الإشتراكية البوليفارية!

1 شباط 2024

02 : 00

مادورو (أ ف ب)

الديموقراطية كلمة مشتقّة من اليونانية تعني «حكم الشعب» أو «سلطة الشعب». تُشكّل القيم المتعلّقة بالحرّية والعدالة والمساواة والتعددية واحترام حقوق الإنسان... ومبدأ تنظيم انتخابات دورية نزيهة وشفافة في مختلف مستويات السلطة، بالاقتراع العام، عناصر جوهرية للديموقراطية الحقيقية. إلّا أنّ طغاة «الدول التافهة» يميلون عادةً إلى استخدام «الديموقراطية» المفصّلة على مقاساتهم العوجاء، كغطاء شكلي يُجسّد سعيهم إلى إضفاء نوع من الشرعية على أنظمتهم البائدة وإخفاء عورات حكمهم الاستبدادي الفاسد، تماماً كما هو حاصل في «جمهورية فنزويلا البوليفارية» بزعامة الرئيس الاشتراكي المُشكّك في شرعيّته نيكولاس مادورو.

يُعتبر مادورو وريث الرئيس الراحل هوغو تشافيز، والرجلان تأثّرا برمزية زعيم استقلال أميركا الجنوبية عن الاستعمار الإسباني في الربع الأوّل من القرن التاسع عشر سيمون بوليفار. وانطلاقاً من «رواسب تاريخية» مجتزأة بما يخدم أجندة سياسية مشبّعة بنظرة إيديولوجية جامدة عفّى عليها الزمن، تسلّم مادورو «شعلة» محاربة «الاستعمار الأميركي» الحارقة من تشافيز وخاض «حرباً» خاسرة أجهز خلالها على فنزويلا واقتصادها وأفقر شعبها، ولم ينجح سوى في البقاء على عرش السلطة بالتزوير والترهيب.

غادر فنزويليون بلادهم بالملايين بحثاً عن فرصة عمل أو حياة كريمة، ليخوض بعضهم غمار دروب الهجرة غير الشرعية المحفوفة بالأخطار القاتلة للوصول إلى «أرض الأحلام»، أي أميركا، بينما يتّكل الكثير من عائلاتهم في الداخل على تحويلاتهم المالية من الخارج للاستمرار على قيد الحياة. لم تُعرف ماهية إرادة الفنزويليين في انتخابات 2018 داخل صناديق الاقتراع، إذ شهدت العملية تزويراً هائلاً من قِبل أجهزة النظام المُمسكة بمفاصل الدولة، فأتت النتائج بما يشتهي مادورو الذي تُوّج رئيساً ظافراً لولاية ثانية، بيد أنّ مجلس النواب آنذاك الذي كان تحت سيطرة المعارضة لم يعترف بشرعية مادورو وأعلن رئيسه خوان غوايدو «رئيساً موَقتاً» بدعم من دول أجنبية.

ومن دون «الغرق» في تفاصيل تلك المرحلة المضطربة، لم تنتهِ هذه «المواجهة» لمصلحة المعارضة، بل استطاع الحزب الحاكم بطرقه الملتوية استكمال وضع يده على كلّ المؤسّسات الدستورية في البلاد. وتمكّن النظام من الصمود أمام «عاصفة» العقوبات الأميركية القاسية من خلال إجراء «صفقات مقايضة» سرّية مع موسكو وطهران وغيرهما، حتّى وصل الأمر بضباط كبار في الجيش الفنزويلي إلى الدخول في «عالم» تجارة المخدّرات وتشكيلهم «كارتيل الشمس»، مسخّرين موارد الدولة وبناها التحتية لهذه الغاية.

قرّبت الأزمات الدولية الدراماتيكية بين واشنطن وكاراكاس، حيث سعت إدارة بايدن إلى ضخّ المزيد من النفط في الأسواق لخفض أسعاره، وإلى تقليص مبادلات الذهب في السوق السوداء. ضغطت أميركا لتسهيل «اتفاق بربادوس» بين النظام الاشتراكي والمعارضة برعاية النروج في تشرين الأول 2023 والقاضي بإجراء انتخابات رئاسية في النصف الثاني من العام الحالي، فأطلق مادورو بعض المعارضين ووافق على إعادة مهاجرين فنزويليين غير شرعيين من الولايات المتحدة، فيما خفّفت واشنطن عقوباتها، مشترطةً احترام فنزويلا التزاماتها مع المعارضة.

أبرمت أميركا وفنزويلا نهاية العام الماضي صفقة تبادلتا بموجبها السجناء، فضلاً عن إفراج مادورو عن مزيد من المعتقلين السياسيين، لكن يبدو أن سياسة «خطوة مقابل خطوة» التي انتهجتها واشنطن مع كاراكاس وصلت إلى حائط مسدود، خصوصاً بعد شنّ النظام حملة اعتقالات بتُهم «الخيانة» و»التآمر»، وصدور قرار المحكمة الفنزويلية العليا الموالية لمادورو بعدم أهلية زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو التي حقّقت فوزاً ساحقاً في الانتخابات التمهيدية لعام 2023، للترشّح للانتخابات هذا العام تحت حجّة ضلوعها في «مؤامرة غوايدو»!

هذا القرار دفع بواشنطن أخيراً إلى إعلان أنّها لن تُجدّد الترخيص الذي يسمح بشراء النفط والغاز الفنزويليَّين، وأنها ستُعيد فرض عقوبات على شركة «مينيرفين» العامة التي تُدير مناجم الذهب. ومع تراجع إدارة بايدن عن نهج تخفيف العقوبات على كاراكاس، سارعت الأخيرة إلى تهديد واشنطن بوقف رحلات عودة المهاجرين الفنزويليين. لم يكن مفاجئاً استبعاد المعارِضة الرئيسية لمادورو من خوض الاستحقاق الرئاسي، فطبيعة هذا النظام لا تعترف بـ»الآخر» ولا بأبسط مفاهيم الديموقراطية وقيمها. الرهان على أنّ «النظام التشافيزي» سيُغيّر سلوكه أثبت فشله الذريع بكلّ بساطة!

MISS 3