رواد مسلم

بكين تُعزّز حضورها العسكري في البحر الأحمر لضمان مصالحها

6 آذار 2024

02 : 00

تجنّب الحوثيّون استهداف السفن الصينية (أ ف ب)

تشهد البيئة الأمنية في البحر الأحمر توجّهاً متنامياً لدى الدول الفاعلة في المنطقة نحو استخدام الأداة العسكرية كسياسة ردع للأعمال العدائية ولتحقيق أهدافها الاستراتيجية وحماية مصالحها الحيوية، وذلك في إطار التعامل مع الاضطرابات الأمنية الناشئة عن تصعيد الحوثيين المدعومين من إيران ضدّ السفن التجارية والعسكرية الغربية في هذا الممرّ الاستراتيجي.

بدأت تجليّات عسكرة البحر الأحمر مع إعلان الولايات المتحدة في 19 كانون الأوّل 2023 تأسيس تحالف «حارس الازدهار»، مروراً بتدشين الاتحاد الأوروبي في 19 شباط الماضي تحالف «أسبيدس» في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، وصولاً إلى دخول الصين التي أعلنت بدورها الأسبوع الماضي إرسال الأسطول الـ46 الجنوبي إلى منطقة البحر الأحمر، وبعدها بأيام إعلان الهند إنشاء قاعدة عسكرية على الجزيرة الاصطناعية مينيكوي في المالديف، المطلّة على خطوط التجارة البحرية في بحر العرب وخليج عدن، فضلاً عن تردّد أخبار عن نية إيران إنشاء قاعدة لها في شرق السودان المطلّ على البحر الأحمر.

يتمتّع الأسطول البحري الصيني 46 بقوّة نارية هائلة، إذ يتكوَّن من مدمّرة الصواريخ الموجهة «جياوزيو» وفرقاطة الصواريخ «شيويتشانغ» وسفينة الإمداد الشامل «هونغهو»، كما يضمُّ أكثر من 700 عنصر من بينهم عشرات من أفراد القوات الخاصة، إلى جانب وجود مروحيّتين على متن الأسطول.

بدأت المدمّرة «جياوزيو» مهامها العملياتية في العام 2022، وهي مزوّدة بنظام إطلاق الصواريخ العمودي المكوّن من 64 خلية إطلاق، بحيث يُمكن إطلاق 3 أنواع من الصواريخ الموجّهة، أوّلها مخصّص للدفاع الجوي من طراز «أتش كيو 9»، وثانيها مضاد للسفن «واي جي 18»، وثالثها مضاد للغواصات «سي واي 5»، فضلاً عن الأسلحة الرشاشة من عيار 130 ملم و30 ملم للدفاع الذاتي.

الفرقاطة «شيويتشانغ» بدأت مهامها الحربية في العام 2017، وتحمل صواريخ دفاع جوي متوسطة المدى (50 كلم) من طراز «أتش كيو 16»، وصواريخ مضادة للغواصات من طراز «يو 8»، ضمن نظام إطلاق عمودي مكوّن من 32 خلية. كما أنّها مزوّدة بصواريخ «كروز» من طراز «واي جي 83» التي يمكن استخدامها ضدّ السفن وضدّ الأهداف الأرضية، وهي مزوّدة بتوربيدو مضادّ للغواصات من طراز «يو 7». وتحمل أيضاً طوافة «كاموف 28 هيليكس» القادرة على رصد الغواصات من خلال رادارات مركّبة عليها، فضلاً عن استخدامها للبحث والإنقاذ.

أمّا سفينة الإمداد الشامل «هونغهو» فتستطيع حمل ما يزيد عن 680 طنّاً من الأسلحة والذخائر، و10 آلاف طن من الوقود التي يُمكن تزويدها للسفن الأخرى، فضلاً عن 250 طنّاً من المياه وكميات كبيرة من الطعام.

تسعى الصين إلى موازنة الحضور العسكري الغربي في المنطقة على غرار التحالفات الغربية، حيث تعتبر أنّ الوجود العسكري الغربي في المنطقة له أهداف أبعد من التعامل مع التهديد الحوثي. ومن غير المستبعد أن تكون الصين تعتقد أنّ الولايات المتحدة تسعى إلى تأجيج التوتّرات في البحر الأحمر بهدف محاصرة مبادرة «الحزام والطريق» التي تتّخذ من البحر الأحمر نقطة إلتقاء الممرّ البري بطريق الحرير البحري.

تتخوّف الصين من أي مضايقة غربية على قاعدتها العسكرية الوحيدة خارج الأراضي الصينية في جيبوتي، ويعزّز من منطقية هذا التخوّف الصيني احتمالية شنّ الولايات المتحدة هجوماً عسكرياً كبيراً على اليمن لإنهاء سيطرة الحوثيين على الساحل اليمني وإحلال نفوذ أميركي - غربي مكانها، ما سيكون له تداعيات سلبية كبيرة على مصالح الصين الاستراتيجية.

التداعيات الاقتصادية والتجارية لعمليات جماعة الحوثي في البحر الأحمر تعكس التحوّل في الموقف الصيني. فبالرغم من تجنّب الحوثيين استهداف السفن الصينية لما يُمكن أن يُسبّبه ذلك من تبدّل في الموقف الصيني، فضلاً عمّا سيتبعه من ضغوط على إيران، إلّا أنّ المخاطر الأمنية المتزايدة في البحر الأحمر يُمكن أن تؤدّي إلى تعطيل طرق التجارة الحيوية بالنسبة إلى الصين، حيث ارتفعت أسعار التأمين على النقل البحري والسفن الصينية، واضطرّت بعض السفن الصينية إلى المرور عبر رأس الرجاء الصالح، ما يرفع التكاليف ويطيل المسافة والزمن لوصولها.

تسعى الصين إلى ضمان مصالحها الاستراتيجية في البحر الأحمر عبر تعزيز وجودها العسكري. فعلى الرغم من أنّ الصين عبّرت ضمنيّاً عن رفضها للهجمات الأميركية - البريطانية التي استهدفت مواقع حوثية في اليمن، لكن هذا الموقف لا يعكس الرضى عن ممارسات الحوثيين، بحيث دعت الصين التنظيم إلى «الالتزام بأحكام قرار مجلس الأمن والتوقّف الفوري عن تعطيل السفن المدنية، واحترام حرّية الملاحة لكلّ الدول في البحر الأحمر»، والفارق بينها وبين سياسة الولايات المتحدة، هو أنّ الصين ترى أنّ نقطة الانطلاق لوقف الهجمات الحوثية تبدأ من قطاع غزة، في حين تُحاول الولايات المتحدة فصل ما يحدث في البحر الأحمر عن التطوّرات التي يشهدها قطاع غزة.

MISS 3