جوزيف حبيب

"الثلثاء النووي" ومنازلة 5 تشرين الثاني!

7 آذار 2024

02 : 00

ترامب مُخاطِباً أنصاره في فلوريدا أمس الأوّل (أ ف ب)

أثبتت نتائج «الثلثاء الكبير» بما لا يقبل الشكّ في أنّ لا شيء يستطيع وقف قطار حملة ترامب السريع لنيل الرئيس السابق بطاقة ترشيح «حزب الفيل». لم تَحُل كلّ المشكلات القانونية والاتهامات الجنائية و»الشيطنة الإعلامية» و»حملات التهويل» الديموقراطية دون تحقيق ترامب انتصاراً مدوّياً بهوامش واسعة في 14 ولاية من أصل 15 الثلثاء. ولولا فوز منافسته الجمهورية نيكي هايلي «اليتيم» في ولاية فيرمونت بفارق ضئيل، لكان نصر ترامب شاملاً بكلّ المقاييس.

صحيح أنّ «ساحر المُحافظين» لم يكن ليحسم السباق الجمهوري هذا الأسبوع لولا انسحاب هايلي، بيد أنّ «الأرقام الصارخة» في «الثلثاء النووي» ألبسته «تاج الملك» حتّى قبل جلوسه على «العرش» لتتويجه مرشّحاً رسميّاً خلال المؤتمر الحزبي الوطني في منتصف تموز المقبل.

انسحاب هايلي من السباق الجمهوري كان منتظراً، فضلاً عن «حرمان» ترامب من دعمها، بعدما أثارت حفيظة المحافظين حين ألمحت الأحد إلى أنّها قد لا تدعم ترامب إذا أصبح مرشّح الجمهوريين، ضاربةً بعرض الحائط تعهّداً سابقاً بدعم «مرشّح الحزب»، وهذا ليس أمراً غريباً على سفيرة واشنطن السابقة في الأمم المتحدة بالنسبة إلى مناصري ترامب، إذ سبق لها أن نكثت بوعود لا تُعدّ ولا تُحصى، أبرزها أنّها لن تترشّح ضدّ ترامب!

تصريح هايلي أطلق تكهّنات حول ما إذا كانت ستُكمل السباق الرئاسي كمرشّحة مستقلّة، إلّا أنّ «حسابات» كثيرة منعتها من «المغامرة» بسفينتها المثقوبة في بحر هائج، إنطلاقاً من استحالة الحصول على التمويل اللازم، وصولاً إلى حرصها على عدم «حرق» مسيرتها الحزبية. ويرى متابعون أنّ رهان هايلي على «استغلال» مسألة أنّ غالبية الأميركيين لا تُريد «مباراة عودة» بين ترامب وبايدن، لطرح نفسها كمرشّحة بديلة، لم يكن موفّقاً إطلاقاً، معتبرين أنّ أداءها كان دون مستوى التوقعات.

وكان لافتاً تحقيق ترامب نتائج واعدة في ولايات عدّة ضمن صفوف المستقلّين وأصحاب الشهادات الجامعية وعند الأقليّات العرقية، ولا سيّما في المجتمعات من أصول لاتينية، رغم معاناته من نقاط ضعف عند هذه الشرائح بالذات في ولايات أخرى. على سبيل المثال، تمكّن ترامب من هزيمة هايلي في البيئات المجتمعية لـ»غير البيض» في ولاية كاليفورنيا التعددية بهامش هائل، علماً أنّ حاكمة كارولينا الجنوبية السابقة من أصول هندية.

تُعتبر الطبقة الوسطى من البيض، وتحديداً الإنجيليين والكاثوليك، «النواة الصلبة» لقاعدة ترامب الشعبية، وهي بمعظمها من سكّان الأرياف و»الضواحي الراقية» للمدن. لكنّ ترامب يستقطب أكثر فأكثر ناخبين من «غير البيض»، خصوصاً من شرائح الطبقة العاملة و»الكادحين» الذين سئموا من التضخّم وارتفاع الأسعار، ويرون أن ترامب ضليع في الاقتصاد أكثر من خلفه بايدن، واختُبر في المكتب البيضوي وحقّق انجازات اقتصادية كانت لتُسهّل تجديده لولاية ثانية عام 2020 لولا جائحة «كوفيد» و»إغلاق البلاد».

قضيّة الهجرة غير الشرعية و»فوضى» الحدود الجنوبية مع المكسيك، تفوّقت حتّى على الوضع الاقتصادي في تصدّر اهتمامات الناخبين الثلثاء. وهنا يكمن نجاح ترامب بشكل أساسي، فلقد أتقن الرئيس السابق «فنّ» التناغم مع «الوجدان الجماعي» من خلال التركيز على مقاربة قضيّتين تُقلقان الشارع الأميركي، ألا وهما الهجرة والاقتصاد. هذه الاستراتيجية أوصلته عام 2016 إلى البيت الأبيض، ما جعله يُعيد تزخيمها وتطويرها لكي تُكافئه مرّة أخرى.

طريق بايدن معبّد لنيل ترشيح «حزب الحمار» مع تحقيقه انتصارات سهلة في غياب أي منافس ديموقراطي جدّي له، الأمر الذي سيضعه في مواجهة ترامب ويتكرّر بذلك سيناريو 2020، إن لم تطرأ أي «مفاجآت». بايدن «النعسان»، كما يحلو لترامب السخرية منه، غارق في زلّاته وهفواته وعثراته، ويواجه تصويت «غير ملتزم» الاعتراضي.

وباستثناء ولاية بنسيلفانيا حيث يتقدّم على ترامب بفارق هزيل في استطلاعات الرأي (المُتغيّرة مع الوقت)، يتخلّف بايدن في ولايات متأرجحة حاسمة أخرى كجورجيا وأريزونا وميشيغان ونيفادا وويسكونسن التي ستُحدّد هويّة الرئيس القادم. سينكبّ الغريمان اللدودان على استقطاب «ناخبي هايلي» والمتردّدين والناقمين، وعيونهما شاخصة نحو منازلة 5 تشرين الثاني!

MISS 3