حسان الزين

شبيب الأمين: مرارة الشعر و"مصرع لقمن"

9 آذار 2024

02 : 00

شبيب الأمين

ما كان ينقصنا، في هذه البلاد وهذه الأيام، أو في هذا الحطام من هذه وتلك، إلا أن يصدر الشاعر شبيب الأمين ديوانه الثاني: «رجل للبيع يهزأ بالأبد... يليه مصرع لقمن» (رياض الريس للكتب والنشر).

شعريّاً، لهو حدث جميل بقدر ما فيه من مفاجأة أن «يعود» شبيب الأمين بعد احتجاب أو غياب لثلاثين سنة، منذ أصدر ديوانه الأول «أعتقد أنني سكران»، في 1994 (دار الجديد).

لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فما إن تبدأ قراءة القصائد، حتّى يتقدم هزء الشاعر بالأبد، والأدب، منافساً الاحتفال بالشعر. والأنكى من ذلك، أن شبيب الأمين يعود بكل ما أوتي من قوة وهزء. ولم تختمر، في سنوات غيابه عن النشر، نظرته الشعرية العبثية إلى الحياة والوجود فحسب، بل نضجت قدرته على اللهو بالأفكار والقيم والكلام والشعر. وما كان في ديوانه الأول اعتقاداً أو سكراً، بات في ديوانه الثاني يقيناً وحقيقة. والسخرية التي كانت في «أعتقد أنني سكران»، تعمّقت في التجربة الشعرية والحياتية لشبيب الأمين، وباتت عدماً.

والأكثر مرارة من الهزء بالأبد، ومن العدم، هو نضج شعرية شبيب الأمين. فالشاعر، في ديوانه الجديد، ليس ناظم قصائد أو صائد لحظات شعرية، بل هو حكواتي بارع في قول ما يعيشه ويفكر فيه ويحس به. والشعر، ههنا، ليس ترتيب كلام أو تصفية نص، إنما هو قول عارٍ لما يعيشه ويفكر فيه ويحس به. ببساطة، هو الكلام الصريح «ومن الأخير» الذي يصل إليه الشاعر في لحظة تحويله العقل من قيود إلى فضاء حرّ، وفي لحظة تفكيكه «الأبد»، والأشخاص والعقائد والسياسة ضمناً، كلغم بين يديه.

وفي هذا إحدى تجلّيات نضج شعرية شبيب الأمين. فقصائد «رجل للبيع يهزأ بالأبد» لا تروي سيرته، ولا تتذكر أصدقاءه الراحلين، ومنهم لقمن سليم ورضوان الأمين، فحسب، بل هي تسجيل صادق وحاذق لخلاصات شبيب الأمين، في شأن سيرته ووجوده، وفي شؤون الأصدقاء وتفاصيلهم... والأبد في آن معاً. وهكذا تعيد قصائد «رجل للبيع يهزأ بالأبد» صوغ الأشخاص وبطاقات تعريفهم، إذ لا يهم شبيب الأمين روي قصصهم، إنما رسم أثرهم وقول «تحليله» لهم ولسيرهم المرتبطة بسيرته.

كأن يقول: «الدخانُ الذي يعلو، يؤكد أنني قطار/ وأنني أنقلُ حشداً من ضحايا فوق كتفيّ وتحت عجلاتي يبست أعشابُ الأرض».

ويقول في «هجرة رضوان الأمين»: «أنا رضوان يا الله/ أضجرني العالمُ/ وها أنا/ أنهدِمُ كمئذنة/... عِشتُ أرنباً/ في مَسكبةِ جَزَر».

ويقول في «مصرع لُقمَن»: «ضلاكَ مجدٌ/ خطؤك- لُقمَن- صوابُ الأرض... صديقُك ديفيد شنكر/ أصدقائي في حزب الله/ وبحرفةِ صيارفة يهودٍ/ عدوّان تقاسما مُهمّة/ -غيابُك لُقمَن، ضرورة وإجماع - عبارةٌ/ تَرِد الآنَ قصيدةً في مخفر».

ويقول في هذه القصيدة التي تحكي، كما يرى شبيب الأمين، رواية لقمن: «برعاية الله/ وأبناء العمِّ سام، توافقوا/ تبادلوا الوقتَ والمَهامّ/ منهم من أحرق الخيمةَ/ منهم من أناخَ ناقتَه في حديقتكَ/ صائدو فرصٍ وفضة/ حرّاسُ ضجر/ ورثةٌ من هنا وهناك/ اجتاحوا صحراءَ أعمارنا، اتّخذوا دمكَ نجمةً تُضيء الدرب إلى سرابٍ عميق/ دمُكَ رهينةُ صلح، نافورةُ استثمار/ دمُكَ لُقمَن بنكُ الجرائمِ الكاملةِ».

MISS 3