ريتا ابراهيم فريد

بعد فوزه بجائزة "القصيدة المغنّاة"

الشاعر مهدي منصور: لن نرضى بأن يخفت صوت الشعر

14 آذار 2024

02 : 01

الشاعر مهدي منصور

منذ فوزه في برنامج «المميّزون» عام 2003، ثمّ مشاركته في برنامج «أمير الشعراء» عام 2008، يواصل الشاعر مهدي منصور تألّقه وسط نجوم الإبداع والتميّز. ويحتفي اليوم بحصوله مع الفنانة فايا يونان على جائزة الأمير عبدالله الفيصل العالمية للشعر العربي عن فئة القصيدة المغنّاة لقصيدته «يا قاتلي»، في حفلة أقيمت في مدينة جدّة برعاية مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وبحضور نائبه الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز. «نداء الوطن» تواصلت مع الشاعر مهدي منصور الذي شدّد على أهمية الشعر في زمننا اليوم للبقاء على قيد الأمل.



هي ليست المرة الأولى التي تنال فيها جوائز وتكريمات عربية ودولية. لكنّ التكريم اليوم يتزامن مع أزمات معيشية يعاني منها الوطن، وجنوب جريح. ماذا تعني لك هذه الجائزة في هذه الظروف بالذات؟

أعتبر هذه الجائزة تكريماً لتجربة طويلة في الكتابة، وليست محصورة بالقصيدة التي فازت. هي نتيجة تراكم سنوات من كتابة الشعر والإيمان به. بالعودة الى ما يمرّ به عالمنا العربيّ اليوم، خصوصاً لبنان وفلسطين، لا يمكن أن نرضى بأن يخفت صوت الشعر لصالح الكلام الذي يبعدنا عن جوهر القضايا التي نكتب ونغنّي لها، أو حتى لصالح الصمت. فالشعر ضروري للبقاء على قيد الأمل. بالنسبة الي، هذه الجائزة وكلّ المواضيع الكتابية التي أتناولها هي إبنة الأرض وابنة السماء. نادراً ما أكتب قصيدة لا تتحدّث عن الأرض أو السماء حتى لو ضمن جزء صغير منها. فنحن نعيش على هذه الأرض من أجل هذه الأرض، وسنتوجّه نحو السماء التي تشبهنا وتظلّل كل الناس مهما اختلفت أديانهم أو انتماءاتهم. هذا ما أعبّر عنه في شعري، وأرى أنّ الجائزة هي شكل من أشكال التكريم للّون الذي أكتبه.



مع الفنانة فايا يونان



نلتَ تكريماً عن قصيدة «يا قاتلي» التي غنّتها الفنانة فايا يونان. كيف كانت ظروف المشاركة في هذه المسابقة؟

هذه الجائزة من حيث الإعلان هي للفنانة فايا ولي. أمّا من حيث المضمون، فنحن نتشارك بها أيضاً مع حسام عبد الخالق وريان الهبر ومع عدد من الموسيقيين الذين تعاونّا معهم في مجموعة كبيرة من الأغنيات التي أطلقناها سوية. ومع أنّ أغنية «يا قاتلي» هي التي حصدت الفوز، لكن هذا لا يعني أنّها تختصر كل التجربة. وعن كيفية مشاركتنا في المسابقة، قام مدير الفنون حسام عبد الخالق بتقديم أغنية «يا قاتلي ولهاً» باعتبارها قصيدة مناسبة كما أن فايا مهتمة جداً بالقصيدة العربية واللغة والفن الجميل، ولجنة التحكيم في أكاديمية الشعر العربي في جامعة الطائف اختارت الأغنية. مع الإشارة الى أنّ الأمين العام لأكاديمية الشعر العربي هو مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة سموّ الأمير خالد الفيصل، ويحرص شخصياً على أن تمتاز الجائزة بالنزاهة والأصالة لأنها عربية عالمية. إضافة الى أنّ أغنية «يا قاتلي» فازت تقريباً بإجماع لجنة التحكيم، وهو أمر يحصل لأول مرة منذ تاريخ إقامة هذه المسابقة.

لا بدّ من التطرّق الى مسألة القصائد المغنّاة، حيث أنّك تدمج في شعرك بين الأصالة والحداثة. كيف يساعد ذلك على محاكاة الفئة الشبابية على نطاق أوسع؟

لا بدّ من التمييز بين الشعر الغنائي وبين القصيدة المغنّاة. فأنا لا أكتب شعراً غنائياً، بل قصائد تحمل كل مواصفات القصيدة العربية، ويتمّ غناؤها مع أنّها لم تُكتب لكي تكون أغنية، بل قصيدة قائمة بحدّ ذاتها. بالعودة الى الدمج بين الحداثة والأصالة، الأخيرة تتّخذ شكل اللغة والإيقاعات والأوزان والموسيقى، وهذا ما أعتبره شكلاً من أشكال أصول الشعر العربي. أما الحداثة فتتجسّد في اختيار ومقاربة المواضيع من زاوية جديدة ومفردات عصرية. إذاً أحاول أن أحافظ على قواعد الشعر واللغة من جهة، وأسعى من جهة أخرى الى تعبئة القوالب الكلاسيكية بمياه جديدة صالحة للشرب اليوم. ولا مشكلة لديّ في التنازل عن بعض الأبيات في قصائدي كي لا تكون الأغنية طويلة، فنحن اليوم في عصر السرعة. لكنّي لا أتنازل أبداً عن جودة النصّ أو وزن الأبيات الشعرية أو صلاحية اللغة.



خلال حفل إعلان الجوائز



خلال أحد اللقاءات الثقافية في باريس، أشرت الى أنّ الشعر حاجة ضرورية في عصر التقنية. برأيك ما هي أهمّ العوامل التي تعزّز حاجتنا الى الشعر اليوم؟

لعلّ أبرز القضايا الضخمة التي نواجهها اليوم هي تصاعد الذكاء الإصطناعي. فالشعراء والأدباء والمبدعون والصحافيون لا يمكنهم تجاهل فكرة أنّ الآلة باتت تتمتّع بذكاء غير عادي، وهي قادرة على الإتيان بأفكار تكون أحياناً أفضل من تلك التي يطرحها الإنسان نفسه. هناك أيضاً قضية تغيّر المناخ، وإن لم ننتبه لها، قد نورث أبناءنا أو أحفادنا أرضاً قاحلة لا حياة فيها، وربّما نحوّل هذه الجنة بأيدينا الى مقبرة جماعية. وسط هذه الظروف، ظهرت في الجامعة التي أدرّس فيها في باريس فكرة تتمحور حول عبارة mood for poetic future، وهي محاولة لكتابة المستقبل الذي نريده، لأنّ الشعراء اليوم قادرون على تخيّل المستقبل وإعادة كتابة العالم من جديد. إضافة الى ذلك، بات الإنسان الحديث اليوم شبيهاً بالروبوت، والفرق الوحيد بينهما أنّ الأخير لا يشعر. إذاً الشعر ضروري للبقاء على قيد الإنسانية.

أعلنتَ في إحدى الندوات أنك ستكون جسراً لكلّ من يريد للثقافة أن تشكّل مدخلاً للتغيير الإيجابي. في زمن الإحباط والإنكسارات، كيف يمكن للشعر أن يكون جسر عبور نحو الأمل؟

علينا في البداية أن نميّز بين القصيدة وبين الشعر. لحظة الدهشة هي لحظة شعرية، أما القصيدة فهي ما نكتبه على الورق. حين نقول إنّ الشعر قادر على تغيير العالم وعلى إسعاد البشرية، نتحدّث عن الحالة الشعرية التي تشمل التأمّل، القلق، التبصّر بالمستقبل. ليس ضرورياً أن يكون الجميع شعراء وأن يكتبوا القصائد، ولا ينبغي أن يتحوّل الناس الى واهمين يتخيّلون كل الوقت. هذا ليس الحلّ، لا بل قد يشكّل ضرراً في مكانٍ ما. في المقابل، ينبغي علينا أن نمرّن قدرة الإبداع لدينا، خصوصاً لدى الطلاب في المدارس والجامعات. فحين نفكّر خارج الصندوق، يكون هناك أكثر من أسلوب لإيجاد حلّ لمشكلة معيّنة. وهُنا بداية التغيير.

* قصيدة «يا قاتلي» التي فازت بالجائزة:

يا قاتلي ولهاً، أحييتني تيها

كلّ الأغاني سدىً، إن لم تكن فيها

جراح حبك تذكارٌ على جسدي

إن كان لي فيك خيرٌ، لا تداويها

ونار حبّك في روحي مقدّسةٌ

ما أكثر الدمع لكن ليس يطفيها

خذني إليك، وشكّلني... وكن صفتي

أحقّ أنت بروحي أن تسمّيها

ما نمت إلا لأني قد أراك غداً

ما قمتُ إلا لشمسٍ أنت تضويها

وما تركتُ صلاةً في هواك جوىً

فأنت قِبلةُ قلبي إذ أصليها...

MISS 3