محمد البابا

أوكرانيا بين الحرب العالمية الثانية والغزو الروسي

حين اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939، لم تكن أوكرانيا دولة مستقلة، بل كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي، ومع ذلك فقد شكلت أراضيها وشعبها ساحة رئيسية للصراع بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي، ودفعت ثمناً باهظًا من الدم والدمار.


لعبت أوكرانيا دورًا محوريًا في الحرب العالمية الثانية فكانت ساحة حرب واحتلال ومقاومة. واليوم، لا تزال ذاكرة تلك الحرب تشكّل جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية الأوكرانية والصراعات الجيوسياسية المعاصرة في المنطقة.

في عام 1939، وُقِّع ميثاق مولوتوف-ريبنتروب بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي، والذي قسم بولندا وأعاد جزءًا كبيرًا من أراضي غرب أوكرانيا إلى السوفييت.



ومع اجتياح ألمانيا للاتحاد السوفيتي عام 1941 (عملية بارباروسا)، أصبحت أوكرانيا خط المواجهة الرئيسي، وبحسب موقعها الجغرافي كانت أوكرانيا مسرحًا لعدد من أشرس المعارك في الحرب العالمية الثانية ، من أبرزها معركة كييف (1941) التي كانت إحدى أكبر المعارك التي خسر فيها السوفييت أكثر من 600 ألف جندي.


كييف كانت مركزًا استراتيجيًا هامًا في أوكرانيا، حيث استخدم الجيش الألماني تكتيك "الكماشة" لتطويق قوات الجيش الأحمر في كييف، فتم تطويق أكثر من 600,000 جندي سوفيتي، في ما يعدّ من أكبر عمليات التطويق في التاريخ، وسجلت أكبر هزيمة للسوفييت، كانت نتيجتها سقوط كييف في يد الألمان في 19 سبتمبر 1941، وحصدت خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وتم أسر مئات الآلاف من الجنود السوفييت.



لكن خاركيف ثاني اكبر مدينة في أوكرانيا ونقطة تواحد المتحدثين باللغة الروسية خاضت أربع معارك كبرى خلال الحرب، وكانت تُعتبر نقطة محورية بين القوقاز ووسط روسيا.


المعركة الأولى (أكتوبر 1941) سقطت خاركيف بسرعة في يد الألمان، الذين استفادوا من ضعف الدفاع السوفيتي. وجاءت المعركة الثانية (مايو 1942) عندما حاول السوفييت استعادة المدينة بهجوم مضاد لكنه فشل كارثيًا، فقُتل أو أُسر أكثر من 250,000 جندي سوفيتي، لكن في المعركة الثالثة (فبراير–مارس 1943)استعاد السوفييت المدينة لفترة وجيزة بعد قتال استمر ل ٤ اسابيع ترجع الالمان وانسحبوا من المدينة، قبل ان يعود الالمان بهجوم مضاد بقيادة الجنرال الألماني مانشتاين أدى إلى استعادتها من قبل الألمان. الى ان وقعت المعركة الرابعة (أغسطس 1943) استعاد السوفييت المدينة نهائيًا بعد معركة كورسك المجاورة. فشكّلت هذه المعركة نقطة تحول في الحرب لصالح الاتحاد السوفيتي. للانطلاق منها وتحرير المدن الأوكرانية.

أوكرانيا تعتبر الجسر بين وسط أوروبا وروسيا، وأراضيها الزراعية والصناعية جعلتها هدفًا استراتيجيًا، فالمعارك التي جرت في الحرب العالمية الثانية خلّفت دمارًا هائلًا، وخسائر بشرية ضخمة حيث يُقدّر أن أكثر من 7 ملايين أوكراني لقوا حتفهم في الحرب، ما بين مدنيين وعسكريين.



وبحلول عام 1944، استعاد الجيش الأحمر معظم الأراضي الأوكرانية من الألمان، لكن التحرير لم يكن نهاية المعاناة، إذ واجه السكان موجات من القمع السوفييتي، وعمليات تهجير، وقمع الحركات القومية الأوكرانية التي كانت تنادي بالخروج من عباءة السوفييت واستُخدمت مآسي الحرب في أوكرانيا لاحقًا كجزء من السردية السوفيتية عن "الانتصار البطولي"، مع إهمال لتضحيات ومواقف القوميين الأوكرانيين.


ومع مرور 80 عاما على هذه الأحداث تستمر أوكرانيا ساحة للصراع بين أوروبا وروسيا، تحتفل أوكرانيا إلى جانب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في التاسع من مايو، ب"يوم أوروبا"، تكريمًا لإعلان شومان، وهو وثيقة صدرت عام 1950 اقترح فيها وزير الخارجية الفرنسي، روبرت شومان، خطة لتوحيد الدول الأوروبية.


أما في 8 مايو، تحتفل أوكرانيا، إلى جانب الدول الأوروبية الأخرى، بيوم الذكرى والنصر على النازية في الحرب العالمية الثانية 1939-1945، حبث تكرم أوكرانيا كل من حارب ضد النازية، كما أنها تكرم المدنيين الذين عانوا أو ماتوا خلال الحرب العالمية الثانية.


وتعتبر كييف أنه لا يمكن لأي دولة في العالم أن تدّعي الانتصار على النازية لنفسها فقط فقد كان ذلك نتيجة للجهود المشتركة لدول التحالف المناهض لهتلر.


فقد ساهم الأوكرانيون مساهمة كبيرة في الانتصار على النازية من خلال القتال في جيوش الدول المختلفة: فحارب حوالي 7 ملايين أوكراني في الجيش الأحمر، وما يصل إلى 120 ألفًا في الجيش البولندي، وأكثر من 100 ألف في الجيش الشعبي الأوكراني، وأكثر من 125 ألفًا في القوات المسلحة للولايات المتحدة وبريطانيا وكندا.


وعانت أوكرانيا أيضًا من خسائر بشرية هائلة: فقد لقي 8 ملايين أوكراني حتفهم نتيجة للقتال، وبلغ إجمالي الخسائر الديموغرافية 10.4 مليون شخص.


أوكرانيا التي تحاول ان تنزع الارث السوفيتي ترى ان الحرب العالمية الثانية نشبت بفضل تواطؤ نظامين شموليين هما نظام هتلر وستالين اللذين سعيا إلى تقسيم العالم بينهما. فروسيا الحديثة هي وريثة النظام الستاليني، حيث تسعى موسكو اليوم مرة أخرى إلى إعادة تقسيم العالم مع ديكتاتوريات أخرى.


والدليل عندما أشعلت الانتقامية الروسية الحديثة بالفعل عدة حروب، كان أكبرها الهجوم على أوكرانيا في عام 2014 والغزو الشامل في عام 2022، بعد التوجه غربا اثر اندلاع ثورك اطاعت بنظام موالي لموسكو، ورسمت خط اندماج مع الغرب وحلف الناتو تلذي كان السبب في الهجوم الروسي على أوكرانيا.

وتعتبر كييف إن ⁠الدعم الدولي القوي لأوكرانيا هو وحده القادر على وقف روسيا واستعادة الأمن في القارة الأوروبية ومنع توسع الحرب التي تسعى إليها موسكو.


تسعى أوكرانيا جاهدة الى الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي وترى انه تم إنشاء الاتحاد الأوروبي للحفاظ على السلام الدائم بين الدول الأوروبية، وكذلك لتطوير التعاون الاقتصادي والازدهار المشترك.


⁠وكما تجمع أوروبا أيضًا قيم مشتركة مع أوكرانيا اهمها: الالتزام بالديمقراطية وسيادة القانون والمساواة والحرية والاحترام غير المشروط لكرامة الإنسان وحقوقه.