مسحوا ذاكرة خلية بالكامل قبل تحويلها إلى خلية جذعية

02 : 00

يملك العلماء أدوات متنوعة لتعديل الخلايا البشرية وتغيير أشكالها، فيستعملون مثلاً خليطاً خاصاً من العناصر الكيماوية لدفع الخلايا الجلدية نحو أنسجة مرنة تُعرَف باسم «الخلايا الجذعية المستحثة ومتعددة القدرات». لكن تحتفظ هذه الخلايا ببعض المؤشرات الوراثية التي حملتها حين كانت أنسجة مكتملة، رغم دورة الحياة الجديدة التي تحصل عليها، ما يؤثر على استعمالها بوضعها الأصلي.

اكتشف فريق دولي من الباحثين الآن طريقة جديدة لمسح ذاكرة الخلايا لتحسين إعادة برمجتها على شكل خلايا جذعية. تبدو الإنجازات التي تنذر بها الخلايا الجذعية المستحثة ومتعددة القدرات هائلة: بما أنها تستطيع التكاثر إلى ما لا نهاية وتنتج جميع أنواع الخلايا في الجسم، لن تكون تلك الخلايا المستحثة مجرد أدوات فاعلة لدراسة الأمراض، بل إنها قد تصبح ركيزة لابتكار علاجات خلوية فردية واستبدال الأنسجة المتضررة أو المريضة.

في المختبر، استعمل العلماء الخلايا الجذعية المستحثة ومتعددة القدرات لزراعة نسيج قلبي ينبض مثل الخلايا القلبية الحقيقية ولهندسة العضوانيات (نسخ مصغرة من الأعضاء).

تكشف الخلايا الجذعية المستحثة أيضاً أسس تقسيم الخلايا ومسار تطور أمراض التنكس العصبي، مثل الزهايمر، والأمراض العصبية الحركية، بطريقة غير مسبوقة. لكن لا تُعتبر عملية تصميم تلك الخلايا مثالية: يحتفظ جزء منها بنسخ لاجينية في حمضها النووي بعد تغيير طبيعتها، حتى أنها تخضع أحياناً لتبدلات عفوية في تلك «الذكريات» اللاجينية، ما يؤثر على سلوك الخلية.

يوضح المشرف الرئيسي على الدراسة، راين ليستر، أخصائي في علم الأحياء الجينومي في جامعة «وسترن أستراليا»: «هذا الوضع قد ينتج اختلافات وظيفية بين الخلايا المستحثة ومتعددة القدرات، والخلايا الجذعية الجنينية التي يُفترض أن تقلّدها، والخلايا المتخصصة المشتقة منها، ما يؤدي إلى الحد من استعمالاتها».

لهذا السبب، حاول ليستر وفريقه تحديد توقيت ظهور تلك الاختلالات خلال إعادة برمجة الخلايا واستكشاف كيفية تجنب أو حذف أي آثار متبقية.

حدد الباحثون مواصفات التعبير الجيني خلال عملية إعادة برمجة الخلايا لمعرفة الجينات الناشطة وتوقيت عملها. يكون جزء كبير من الحمض النووي الخاص بالخلايا مُلْتفّاً حول بروتينات ضخمة اسمها «هيستونات»، وهي تحمي تلك الأجزاء من الآلية الخلوية المكلّفة بفك شيفرة الجينات وتحويلها إلى بروتينات. بحسب موقع الهيستونات، قد لا تتجاوب الخلية مع المؤشرات الكيماوية التي يتلاعب بها العلماء، وهذا ما يجعلها تحمل ذاكرة لاجينية على مر عملية إعادة البرمجة. تُسمى التقنية الجديدة «إعادة برمجة العلاج الساذج العابر»، وهي مشابهة لإعادة تنظيم الإبيجينوم الخاص بالخلية، علماً أن هذه العملية تحصل في مرحلة مبكرة من نمو الجنين، قبل أن يستقر في جدار الرحم وبعدها.

خلال سلسلة من التجارب الخلوية، أثبت الباحثون أن إعادة برمجة «العلاج الساذج العابر» يمسح الذاكرة الإبيجينومية، لا سيما في المناطق الغنية بالحمض النووي، لكن من دون حذف معلومات مهمة أخرى مطبوعة على الجينوم. نتيجةً لذلك، تشبه الخلايا بعد إعادة برمجتها الخلايا الجذعية الجنينية على المستويَين الوظيفي والجزيئي. يضيف ليستر: «نحن نتوقع أن تطلق إعادة برمجة «العلاج الساذج العابر» معياراً جديداً للعلاجات الخلوية والأبحاث الطبية الحيوية، ما يسمح بتطويرها».

في النهاية، تقول جيا تان، أخصائية في علم الأحياء الخلوي في جامعة «موناش» في ملبورن وواحدة من المشرفين على الدراسة الجديدة: «هذه العملية تحلّ مشاكل على صلة بالخلايا المستحثة ومتعددة القدرات التي يتم إنتاجها بالطرق التقليدية، علماً أن هذه المشاكل قد تترافق مع عواقب مؤثرة على مستوى العلاجات الخلوية على المدى الطويل إذا لم تُعالَج بالشكل المناسب».

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة «ناتشر».


MISS 3