"لقاح عكسي" قد يكبح أمراض المناعة الذاتية

02 : 00

يقول باحثون من كلية «بريتزكر» للهندسة الجزيئية في جامعة شيكاغو إنهم طوّروا «لقاحاً عكسياً» انطلاقاً من نموذج فئران. نجح اللقاح الجديد في عكس مسار أمراض المناعة الذاتية، منها التصلّب المتعدّد، والنوع الأول من السكري، ومرض كرون، من دون تعطيل بقية أجزاء جهاز المناعة لدى الفئران.

يجهل الباحثون حتى الآن أسباب أمراض المناعة الذاتية، لكنهم يعرفون أن نسبة الخطر تزيد بسبب العوامل الوراثية والبيئية والتعرّض لأنواع معينة من العدوى الفيروسية.

نُشرت نتائج الدراسة الجديدة في مجلة «طبيعة الهندسة الطبية الحيوية».

آلية عمل اللقاح العكسي

تعليقاً على اللقاح الجديد، يقول المشرف الرئيسي على الدراسة، جيفري هابل، أستاذ في هندسة الأنسجة في كلية «بريتزكر» للهندسة الجزيئية: «اللقاح العادي يدفع الخلايا المناعية إلى إنتاج مجموعات خلوية قادرة على قتل الخلايا المصابة بالعدوى وأجسام مضادة قادرة على الالتصاق بالفيروسات التي تستهدفها وإبطال مفعولها. أما اللقاح العكسي، فهو يفكك هذه العملية المناعية. لاستهداف أمراض المناعة الذاتية، نحن نحاول ابتكار لقاحات عكسية لتعطيل الخلايا المناعية التي تهاجم خلايا الجسم عن طريق الخطأ، أو تنتج أحياناً خلايا معينة لإخماد المناعة بدرجة إضافية. إنها الخلايا التائية التنظيمية».

سمح اللقاح العكسي للعلماء بإتمام هذه العملية من دون تعطيل جهاز المناعة كله في الجسم. يوضح هابل: «في الوقت الراهن، تُعالَج أمراض المناعة الذاتية بطريقة تضمن قمع المناعة بنمط غير محدد، بدل تعديل عمل المناعة بطريقة تستهدف أمراض المناعة الذاتية. من الأفضل طبعاً أن يحافظ جهاز المناعة على سلامته ويستهدف الجزيئات والخلايا التي يهاجمها الجسم عن طريق الخطأ. كذلك، يجب أن تتكرّر مقاربات قمع المناعة مراراً بينما يعطي اللقاح أثراً طويلاً، حتى أنه قد يشفي من المرض إذا دام لفترة كافية».

إختبار اللقاح العكسي

لإجراء هذه الدراسة، استعمل هابل وفريقه نموذجاً من الفئران المصابة بمرض مشابه للتصلّب المتعدّد: التهاب الدماغ والنخاع المناعي الذاتي.

في هاتين الحالتَين، يهاجم جهاز المناعة عن طريق الخطأ مادة الميالين التي تشكّل درعاً واقياً في محيط أعصاب الجسم، بما في ذلك الأعصاب الموجودة في الحبل الشوكي والدماغ.

عند إعطاء اللقاح العكسي، لاحظ العلماء أن جهاز المناعة توقّف عن مهاجمة الميالين، ما سمح للأعصاب باسترجاع وظيفتها الطبيعية تزامناً مع عكس أعراض المرض لدى الفئران.

يضيف هابل: «يشمل الجسم عدداً من الآليات لتجنّب المناعة الذاتية. تمنع واحدة منها الاستجابات المناعية الذاتية تجاه عملية الشيخوخة والخلايا الميتة. تتخلّص خلايا متخصّصة في الكبد من تلك الخلايا في الدم، وتتمّ معالجتها بطريقة تزيد القدرة على تحمّل مخلفات تلك الخلايا الميتة والحفاظ عليها. بفضل مقاربتنا الجديدة، ابتكرنا جزيئات تشبه مخلفات الخلايا الميتة وتحمل البروتينات التي تتعرّض للهجوم عند الإصابة بنوع محدد من أمراض المناعة الذاتية، ما يجرّد الجسم من واحدة من الآليات التي يستعملها لتقبّل تلك الخلايا».

ما هي أمراض المناعة الذاتية؟

يحمي جهاز المناعة السليم الجسم من مختلف أنواع العدوى، بدءاً من الفيروسات وصولاً إلى الجراثيم. لكن تصبح المناعة أحياناً مبرمجة كي تعتبر الأنسجة أو الخلايا السليمة في الجسم كائنات ضارة يُفترض أن تتعرّض للهجوم. هذه العملية تُسبّب أمراض المناعة الذاتية. تفوق أعداد هذه الأمراض عتبة المئة، أبرزها ما يلي: التصلّب المتعدّد، النوع الأول من السكري، إلتهاب المفاصل الروماتويدي، مرض الذئبة، الداء البطني، مرض كرون، إلتهاب الغدة الدرقية هاشيموتو، متلازمة شوغرن، مرض التهاب الأمعاء، الصدفية.

أمراض المناعة الذاتية حالات مزمنة. يترافق كل مرض منها مع أعراض محدّدة، لكن يتقاسم معظمها بعض الأعراض المشتركة مثل الألم، والإرهاق، والضعف العضلي، والالتهاب، والتورّم في مختلف أنحاء الجسم.

تختلف مؤشرات المرض المناعي الذاتي من شخصٍ إلى آخر، لكن تكشف أبحاث سابقة أن المصابين بإحدى هذه الحالات يكونون أكثر عرضة لأمراض القلب، والاكتئاب، وتضرر الأعضاء، والسرطان.

أبحاث مرتقبة حول أمراض المناعة الذاتية

في ما يخصّ توقيت حصول الأطباء على اللقاح العكسي لمعالجة أمراض المناعة الذاتية، يقول هابل: «سبق وبدأت التجارب العيادية على حالات محدّدة. وأصبحت المقاربة العامة التي استعملتها الدراسة الأخيرة قيد التجارب العيادية في الوقت الراهن لاختبار الداء البطني والتصلّب المتعدّد. نحن متحمسون جداً لمعرفة نتائج تلك الدراسات. في الوقت نفسه، سنتابع استكشاف هذه المقاربة في مختبري لتقييم أثرها على أمراض المناعة الذاتية، مثل التصلّب المتعدّد، والنوع الأول من السكري، والربو التحسسي، والحساسية الغذائية، بالإضافة إلى تحليل قدرتها على منع المناعة من استهداف الأدوية المستعملة لمعالجة الأمراض الخلقية التي تنتج استجابة مناعية في معظم الحالات».

تعليقاً على نتائج هذه الدراسة، تقول الدكتورة باربرا غيسر، طبيبة أعصاب واختصاصية في مرض التصلّب المتعدّد في معهد علم الأعصاب التابع لمركز «بروفيدانس سانت جونز» الصحي في كاليفورنيا: «هذا البحث هو نوع من دراسات إثبات المفهوم، وهو يستعمل نموذجاً من الحيوانات لتحليل مرض يزيل الميالين من الجسم. بدل تثبيط جهاز المناعة، يبدو أن الضرر العصبي المرافق لمرض التصلّب المتعدّد يمكن منعه عبر إزالة تحسّس بعض الخلايا المناعية تجاه بروتين الميالين. قد تسمح هذه العملية بمنع مخاطر التقاط العدوى، علماً أن هذا الجانب يطرح مشكلة مع بعض علاجات تثبيط المناعة التي تغيّر معالم المرض ولا تزال مستعملة في الوقت الراهن».


MISS 3