جاد حداد

Einstein and the Bomb... جانب آخر من قصة القنبلة الذرّية

12 آذار 2024

02 : 01

يقدّم الوثائقي الدرامي Einstein and the Bomb (أينشتاين والقنبلة) لقطات من أرض الواقع مع نفحة درامية مضافة عن حياة عالِم الفيزياء النظرية ألبرت أينشتاين بعد هربه من ألمانيا النازية. يستعمل صانعو العمل لقطات من الأرشيف وكلمات قالها بنفسه للغوص في عقل ذلك العبقري المعذّب.

يقول أينشتاين في المقطع الترويجي للمسلسل: «لو كنتُ أعرف أن الألمان لن ينجحوا في إنتاج قنبلة ذرية، ما كنتُ لأشارك في فتح أبواب الجحيم». لكن ما كان دور أينشتاين الحقيقي في هذا الجزء من التاريخ؟

قد يُعتبر ألبرت أينشتاين اليوم من أعظم العلماء في تاريخ البشرية، لكنه كان رجلاً مطلوباً وهو في الرابعة والخمسين من عمره، في أيار 1933.

بما أنه كان رجلاً يهودياً في ألمانيا النازية، نُشِر ملصق بعنوان «اليهود يراقبونك»، وهو يتّهم أينشتاين بإطلاق «حملة دعائية كاذبة ضد أدولف هتلر». كُتبت تحت صورته العبارة التالية: «لم يُشنَق بعد».

وفي شهر أيلول من السنة نفسها، تعرّض منزله في برلين للسرقة وعُرِضت مكافأة بقيمة ألف جنيه استرليني مقابل قتله. لذا قرر في اليوم التالي الهرب مع زوجته إيلسا، ولم يعودا يوماً إلى أوروبا القارية.

توجّه أينشتاين إلى كوخ معزول في منطقة «روتون هيث»، في نورفولك، حيث أقام طوال ثلاثة أسابيع وشارك في عدد من المقابلات الصحافية. دفعته تجاربه الأخيرة إلى استنتاج تاريخي، بحسب كاتب سيناريو الفيلم فيليب رالف، فقال هذا الأخير: «قبل تلك المرحلة، كان أينشتاين مدافعاً شرساً عن اللاعنف والسلام. لكن في نهاية تلك الأسابيع الثلاثة، ألقى خطاباً أمام 10 آلاف شخص حيث تكلم عن تهديد وجودي على الحضارة الأوروبية ودعا إلى محاربته».

بعد يومين على خطاب أينشتاين، قصد المملكة المتحدة وتوجّه إلى «معهد الدراسات المتقدمة» في جامعة «برينستون»، حيث قابل أوبنهايمر للمرة الأولى. لم يكن الرجلان مقرّبَين من بعضهما في تلك المرحلة.

كان أشهر اكتشاف في مسيرة أينشتاين، في العام 1905، السبب في طرح مفهوم الطاقة الذرية، فأدرك البعض حينها أنه سيكون كارثياً إذا وصل إلى أطراف غير مناسبة.

في العام 1933، اكتشف عالِم الفيزياء المجري الألماني، ليو سزيلارد، مفهوم التفاعل النووي المتسلسل. لكن عندما جزّأ العلماء في ألمانيا ذرة اليورانيوم بعد خمس سنوات، بدأ سزيلارد يدقّ ناقوس الخطر مع زملائه وحذر أينشتاين من خطورة المشكلة في العام 1938.

بحلول آب 1939، قبل شهر على اندلاع الحرب في أوروبا، زادت المخاوف من أن يطوّر النازيون السلاح النووي أولاً، فكتب أينشتاين للرئيس فرانكلين روزفلت رسالة أعدّ سزيلارد مسودتها عن ضرورة أن تُسرّع الولايات المتحدة جهودها لتصنيع قنبلة نووية.

نتيجةً لذلك، أطلق روزفلت مشروعاً بالتعاون مع العلماء الذين كانوا يستكشفون ردود الأفعال المتسلسلة عبر استخدام اليورانيوم، وهي عملية كان يمكن استعمالها لاحقاً لتطوير قنابل ذرية.

بعد شهرَين على تلقي رسالة أينشتاين، أخبره روزفلت بأنه يستعد لتشكيل لجنة من المسؤولين المدنيين والعسكريين لدراسة اليورانيوم، وتحوّلت هذه المبادرة لاحقاً إلى ما يُعرَف باسم «مشروع مانهاتن». كتب أينشتاين رسائل أخرى إلى روزفلت وأوصاه فيها باتخاذ خطوات إضافية لتطوير الحرب النووية.

لم يكن أينشتاين يوماً جزءاً من «مشروع مانهاتن» (في العام 1940، حرمه مكتب استخبارات الجيش الأميركي من التصريح الأمني الذي يحتاج إليه للعمل على هذا المشروع لأنه اعتُبِر «خطراً أمنياً محتملاً»). لكن عندما سقطت أول قنبلة فوق هيروشيما بقيادة أوبنهايمر، في 6 آب 1945، ذكرت بعض المصادر أن أينشتاين قال عبارة: «ويحـــــي»! من الواضح أن أينشتاين ندم على مشاركته في اختراع الأسلحة النووية، فقد اقتبس الكثيرون كلامه وهو يقول: «أنا لا أعتبر نفسي عرّاب إطلاق الطاقة الذرية». كما أنه ذكر في مقابلة مع مجلة «نيوزويك»: «لو كنتُ أعرف أن الألمان لن ينجحوا في تطوير قنبلة ذرية، لما حرّكتُ ساكناً».

وفي العام 1954، قبل سنة على وفاته، كتب في رسالة إلى صديقه، عالِم الكيمياء لينوس بولينغ: «لقد ارتكبتُ خطأً فادحاً في حياتي، حين وقّعتُ على الرسالة الموجّهة إلى الرئيس روزفلت ونصحتُه بتصنيع قنابل ذرية».

توفي أينشتاين عن عمر 76 عاماً في العام 1955، بعد انفجار وعاء دموي بالقرب من قلبه. يقال إن كلماته الأخيرة هي التالية: «أصبحتُ تحت رحمة القدر ولا أستطيع السيطرة على الأحداث».

MISS 3