رواد مسلم

التعاون الأميركي - الأوروبي ضروري لردع الخطر المقبل

16 آذار 2024

02 : 00

أوكرانيا ما زالت تدفع «فاتورة دم» باهظة في الحرب (أ ف ب)

أطلق الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022 أعنف حرب دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وأثار تساؤلات كبيرة حول دور الولايات المتحدة في أوروبا، وهي التي ما زالت حتى اليوم في طليعة الدول الداعمة للعمليات العسكرية الأوكرانية، والمساهمة في تطوير الخطط الدفاعية للدول الأوروبّية، خصوصاً دول الجناح الشرقي لحلف «الناتو»، من خلال نشر قواعد وأصول دفاعية أميركية، لردع أي عدوان روسي في المستقبل.

أدّى انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة إلى انسحاب كبير للقوات الأميركية من أوروبا، حيث أعطت الولايات المتحدة الأولوية لأماكن أخرى، فقد وصل عديد القوات الأميركية إلى 473 ألف عنصر على الأراضي الأوروبّية في العام 1957، وتدنّى هذا العدد إلى 63 ألفاً في العام 2013 معظمهم في كوسوفو وإيطاليا وألمانيا لإطلاق ودعم عمليات مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا. لكنّ العدوان الروسي في أوكرانيا، الذي بدأ عام 2014 واستمرّ حتى غزو 2022، دفع إلى إعادة التفكير في دور وقدرات القوات الأميركية في أوروبا، فأعادت زيادة العدد إلى 100 ألف عنصر مطلع العام 2023.

مع احتشاد القوات الروسية على حدود أوكرانيا في أواخر عام 2021 نشرت الولايات المتحدة حوالى 6000 فرد من الفرق المقاتلة المجوقلة في ألمانيا وبولندا، وأعادت تموضع سرب مشاة «سترايكر» من ألمانيا إلى رومانيا. كما نشرت المقاتلات الضاربة الشبحية من طراز «أف 35» وأنظمة «هيمارس» في البلدان الواقعة على طول الجناح الشرقي لحلف «الناتو». ومع بداية الغزو الروسي في 2022، ارتفع الوجود الأميركي في أوروبا إلى 90 ألف جندي، فضلاً عن نشر 100 قنبلة تكتيكية (قنابل الجاذبية) «بي 61-3» و»بي 61-4» في القواعد الجوية الأميركية السبع في أوروبا المنتشرة في 5 دول. على الرغم من تركيز آخر استراتيجيتين للأمن القومي والدفاع الوطني للولايات المتحدة على الصين باعتبارها التهديد العالمي الرئيسي، ونقل الموارد العسكرية إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ للتعامل مع هذا الخطر، تظلّ أوروبا منطقة استراتيجية حيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، حيث أوضح الغزو الروسي لأوكرانيا وعدوانها المستمرّ، والتهديد النووي الدائم، والتعاون المتنامي مع الصين وإيران وكوريا الشمالية، أنّ للولايات المتحدة مصالح استراتيجية ودائمة في أوروبا أيضاً.

لم يمنع الوجود الأميركي في أوروبا وجهود واشنطن القوية في الحرب الروسية - الأوكرانية موسكو من التمادي. الواضح أنّ روسيا ستُشكّل تهديداً خطراً للولايات المتحدة وأوروبا على مدى السنوات القليلة المقبلة، خصوصاً بعد توسيع حلف «الناتو» بضمّ فنلندا والسويد، والتهديدات الروسية لبولندا ودول البلطيق ودول أخرى، حيث يحتفظ الرئيس الروسي بالإرادة السياسية والنوايا التوسعية للقوّة الروسية في الخارج، ويعمل على إعادة بناء القدرات العسكرية بمساعدة الصين وإيران وكوريا الشمالية. إنّ التخفيض الكبير في حجم القوات الأميركية أو حجم المساعدات يُمكن أن يُضعف بشدّة الردع ويُشجّع أفكار روسيا الانتقامية.

استشعار الأوروبّيين الوضع السياسي الداخلي المنقسم في الولايات المتحدة وعجز البيت الأبيض عن الحصول على موافقة مجلس النواب لإقرار المساعدة الضخمة من 60 مليار دولار لأوكرانيا، دفع دول الاتحاد إلى تحمّل المسؤولية بجدّية، خصوصاً لجهة المساعدات العسكرية التي يفترض توفيرها للاستجابة لطلبات كييف من الذخائر التي بدأت تنفد واستغلّتها روسيا للتقدّم بسرعة، حتّى اتّفقوا على إنشاء صندوق متفرع من «مبادرة السلام الأوروبّية»، وتزويده بخمسة مليارات يورو مخصّصة للمشتريات العسكرية لكييف.

يجب أن يبقى الاتحاد الأوروبي ملتزماً بمعركة أوكرانيا، فقد مرّر في الفترة الأخيرة اتفاقاً لتقديم مساعدات بقيمة 54 مليار دولار لمصلحة كييف، لكن لا تستطيع أوكرانيا أن تردّ في ساحة المعركة وتنتصر إلّا بدعمٍ عسكري من الولايات المتحدة، خصوصاً مع «حذر» الألمان من تزويدها بنظام «توروس»، ومن دون هذا الدعم، تبدو أوكرانيا أقرب إلى الفشل، وستقع هزيمتها في مرحلة أبكر مِمَّا يتوقعه كثيرون.

يُنفق العديد من دول «الناتو»، خصوصاً تلك الموجودة على الجناح الشرقي للحلف، أكثر من 2 في المئة من ناتجها المحلّي الإجمالي على الدفاع، مثل بولندا (3.9 في المئة) التي تعتبر الأعلى بين الدول الأوروبّية، وإستونيا (2.73 في المئة)، وليتوانيا (2.54 في المئة)، وفنلندا (2.45 في المئة)، وألمانيا (2.54 في المئة) والمملكة المتحدة (2.07 في المئة)، لكنّ بعضها الآخر لا يفعل ذلك بينما يجب زيادة الإنفاق على الدفاع.

هناك العديد من العوامل التي يُمكن أن تُغيّر التوازن العسكري في أوروبا، حيث يُمكن أن تُصبح الولايات المتحدة مُنهكة في حرب ضدّ الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أو كوريا الشمالية في شبه الجزيرة الكورية، أو إيران أو الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، يُمكن لروسيا أن تستمرّ في إعادة بناء جيشها على مدى السنوات القليلة المقبلة بمساعدة الصين وإيران وكوريا الشمالية ودول أخرى. إنّ التعاون الأميركي - الأوروبي ضروري لردع «الدب الروسي»، فلا يُمكن للاتحاد الأوروبي النجاح بمفرده، ولا حتّى الولايات المتحدة بمفردها، ردع الخطر المقبل.

MISS 3